تكاد صورة المرأة العارية، أو المرأة المتهتّكة، أن تغيب عن قصائد الشعراء السعوديين، ممّا يعني أن هؤلاء لم يغرقوا في الحسية، ولم ينظروا إلى المرأة بوصفها موطن شهوة، مما يجعل بعض مظاهر الحسية مقبولة، ما دامت لا تذهب إلى تصوير الخلاعة والتهتّك، وذلك لا يستدعي القسوة على هؤلاء، أو وصف شعرهم بأنّه يتجاوز حدود الأدب والأخلاق، أو يصرّح بما لا يجوز التصريح به.
هذه الحسية الرشيدة، تتناقض مع رأي الدكتور عبدالله الحامد الذي يرى طغيان الحسية على علاقة الرّجل بالمرأة في الشعر السعودي، على الرغم من أنه استثنى بعضهم من ذلك الحكم، استثناءً غير كامل، حين أعاده إلى الفريق الحسّي، يقول: وقلّة المشاركة الوجدانيّة في الغزل، طابع كثير من الشّعر، فالعلاقة بين الرّجل والمرأة، هي العلاقة بين الذئب والشّاة، عكوف على الذّات، ويهتمّ فيها الشّاعر بالحديث عن نفسه، وماذا فعل؟ وماذا يريد من المرأة؟ والهدف لذّة الجسد. أمّا الحديث عن مشاعر المرأة، وأفكارها، وخوالج وجدانها، وما يهمّها ونعيمها، ما تأمل وما تفرح له، فذلك شيء نُزع من أذهان كثير من الشّعراء
وممّا يؤيّد القول بقسوة مثل هذا الرأي، أن صورة المرأة المتهتّكة، عند شعراء عسير مثلا، لا تأتي إلا في سياق الحديث عنها بوصفها امرأة منبوذة، برغم جمالها، وربّما ذهب بعضُهم إلى نصح تلك المرأة نصحاً مباشِراً، يحوي التأكيد على أنّه لا جمال في التعرّي، وهو ما ظهر ـ عند بعضهم ـ في أكثر من قصيدة، حتّى بات موضوع التعفف والعفّة من الموضوعات التي تمكن دراستها دراسةً مستقلّة.
ولتكون النماذج دليلاً، نجد من قصائد شعراء عسير، التي صوّرت المرأة العارية، أو المتهتّكة، تصويراً ناقداً، يحوي تأكيداً على المعاني الروحيّة السامية للجمال، قصائد: ارتعاش الغيرة في شارع ترابي والخبيثة، وحمير اللذّة، لعلي آل عمر عسيري، وراقصة، ومعسّل، وهتك الحجاب، لأحمد عسيري، وتحديق، لمحمد زايد الألمعي، وهيت لك، لزايد حاشد، وإلى المجهول، لمحمد عائض القرني، وهم يتجاوزون ذلك إلى ربط الحبّ والجمال بالعفّة، حتّى صار هذا الموضوع موضوعاً يتكرّر عند أكثر من شاعر، أمثال: أحمد بيهان، في قصائد: شهيد العفاف، وآس لقاتل، وشدّي قيودي، والهوى والعفاف، وعلي آل عمر عسيري، في قصيدة: صَبُوح العسل، ومحمد عائض القرني في قصيدة: على طريق العفاف، وزايد حاشد في قصيدة: حبٌّ بين زمانين، وصالح العمري في قصيدتي: الأنثى الحقيقيّة، والعربيد، وغير هؤلاء، ممّن آمنوا بأنّ الحبّ عاطفةٌ تسمو على كونها طريقاً إلى الهدف الجسدي.