'المعونة' الأكثر أهمية هي تدريب طالبي العمل وتوفير المعلومات لهم، وربطهم بجهات التوظيف ومتابعة العلاقة بينهما، وحمايتهم مما يفوت عليهم فرص الالتحاق بالعمل

مسؤولية توطين الوظائف ومشكلة البطالة بين الجنسين وما يرتبط بهما وما ينتج عنهما من مخاطر أمنية ونتائج اقتصادية ومفاسد اجتماعية تشغل مساحة كبيرة من اهتمام المعنيين بالسياسة والأمن والاقتصاد.. وستبقى هاجس كل الناس لأنها مسألة تتصل بالجميع أفراداً ومجتمعاً ودولة.
طوال السنوات الماضية اجتهدت الجهات المسؤولة في إيجاد حلول لهذه المشكلة من خلال أنظمة وتجارب ووسائل لم تهتد، للأسف، إلى منهج عملي يضع المشكلة على طريق الحل النهائي.. وكانت العقدة الأبرز في مسار المحاولات الماضية نشوء صراع خفي بين الجهات التي تصدر الأنظمة وبين جهات التوظيف نتيجة لاعتقاد القطاع الخاص بأن الرسميين لا يدركون حقيقة متطلبات المشكلة، ويصدرون قرارات ويفرضون أنظمة وقوانين ليست من طبيعة السوق. واستخدم هذا القطاع بعض الذرائع المتعلقة بكفاءة السعوديين ونقص تدريبهم وعدم انتظامهم. وهذا يعني أن القطاع الخاص، باعتباره جهة التوظيف القادرة على تقديم الحل العملي، لم يشترك في وضع الحل ولم يؤخذ رأيه في البرامج المقترحة، ولم تراع احتياجاته ومتطلبات نموه. وكان من نتائج هذا الصراع أن نجح القطاع الخاص، في الكثير من المرات، في التحايل على القرارات الصادرة وتفريغها من محتواها وإفشال أهدافها.
ومنذ مجيء وزير العمل الحالي المهندس عادل فقيه تفاءل الكثيرون: القطاع الخاص تفاءل لأن الرجل آت منه ويعرف احتياجاته ويقدر ظروفه، ويتفهم ضرورة مراعاة الواقعية التي تساهم في حل المشكلة دون أن تعرقل النمو وتقف في طريق التطور والتوسع.. والرسميون تفاءلوا لأن الرجل ابن الكار ومتمرس على أساليبه ويعرف رطانته ومداخله ومخارجه، وهو قادر على المواءمة بين المسؤولية العامة التي تفرض الخروج من نفق البطالة وبين المصلحة الشخصية التي لا تتعارض مع الهدف العام.
ومشروع حافز الذي نتحدث عنه اليوم يأتي ضمن رؤية استراتيجية تتبناها وزارة العمل وتقوم على مبدأين مهمين: تحقيق الهدف الوطني العام في تمكين بنات وأبناء الوطن الباحثين عن عمل من العيش الكريم، ومراعاة طبيعة القطاع الخاص – باعتباره جهة موظفة – وعدم وضع العراقيل أمام نموه وتوسعه ليظل قادرا على استيعاب المزيد من طالبي العمل. ومن خلال هذه الرؤية قدمت الوزارة مشروعها الأول نطاقات الذي يصنف المؤسسات والشركات الوطنية إلى أربع فئات من حيث نسبة السعوديين العاملين فيها، ولكل فئة محفزاتها وجزاءاتها. وهو مشروع متكامل من المتوقع أن يكون له تأثيره الملحوظ في الإقبال على توظيف الأيدي العاملة الوطنية هذه الأيام. وها هو المشروع الثاني حافز يقدم إلى المجتمع امتدادا للرؤية الواقعية التي تضع في اعتبارها ضرورة الشراكة الحقيقية بين الجهات المنظمة للعمل والجهات الموظفة للكوادر الوطنية.
في الأسبوع الماضي استمع مجموعة من الإعلاميين وأهل الرأي والاقتصاد ـ لأكثر من ساعتين ـ إلى معالي المهندس عادل فقيه، وهو يقدم حافز بواقعية متفائلة، هدفها توضيح طبيعة المشروع وأهدافه وتفاصيل ما يقدمه لطالبي العمل من مساندة ومساعدة، وإزالة أي سوء فهم قد يشوش على استقبال المشروع بما يستحقه. ومما قاله الوزير: إن البرنامج للباحثين عن العمل الجادين وليس للباحثين عن ألفي ريال وإن المعايير التي وضعت هدفها تقديم العون للباحثين عن العمل، وتذليل الصعاب أمامهم وتوفير برامج ومعلومات ترفع من أهليتهم. ومن تلك المعايير أن تتراوح أعمار المستفيدين ما بين 20 – 35 عاماً وأن يكونوا قادرين على العمل، وألا يكون المتقدم موظفاً أو طالباً أو متدرباً في أي مرحلة من مراحل التعليم وألا يكون لديه نشاط تجاري وألا يكون له دخل ثابت يعادل ألفي ريال.
وحافز برنامج له أهداف متعددة – قصيرة المدى وطويلة المدى – وسأكتفي بالإشارة إلى نقطتين منها: إعانة الباحثين عن العمل بجدية، ورفع كفاءة التدريب. ولعل مفهوم المعونة في هذا المشروع يحتاج إلى توضيح ومناقشة هادئة واسعة حتى يستوعب الجميع معانيه وأهدافه، فالكثيرون لم يروا من المشروع إلا مبلغ الألفي ريال، وأي معايير أو شروط تحول دون حصولهم على المبلغ ستكون شروطا جائرة في نظرهم. والإعانة التي يتحدث عنها المشروع تتجاوز الألفي ريال فهي توفر قاعدة معلومات متكاملة تجسر العلاقة بين طالبي العمل وجهات التوظيف، وتطلق شركات تأجير العمالة وتفعل مكاتب التوظيف الأهلية لتكون قادرة على تلبية احتياجات السوق والتفاعل مع طرفي المعادلة (طالب العمل ورب العمل). والبرنامج يصاحب الباحث عن العمل منذ اللحظة الأولى التي يقرر فيها البحث، ويقدم له المعلومة المطلوبة في الوقت والدقة اللازمتين، ويساعده على التدريب ويسانده في مواصلة البحث، ويقدمه لكل الراغبين مع مراعاة ألا يفرض عليه ما يصعب تحقيقه.
إذاً المعونة الأكثر أهمية هي تدريب طالبي العمل وتوفير المعلومات لهم، وربطهم بجهات التوظيف ومتابعة العلاقة بينهما، وحمايتهم مما يفوت عليهم فرص الالتحاق بالعمل.. وحتى يؤدي البرنامج أهدافه الوطنية فهو يحتاج إلى تناغم جهود ورغبات ثلاث جهات هي: الباحثون عن العمل، ومطلوب منهم فهم حقيقة البرنامج وإظهار الجدية واستغلال الفرصة والاستجابة بصورة منضبطة لبرامج التدريب التي يهيئها. أصحاب الأعمال، ومطلوب منهم الاستجابة لهذا البرنامج الذي لم يأت من فوق بل هو ترجمة عملية للواقع بهدف توفير قاعدة معلومات متكاملة تساعد جهات التوظيف على الحصول على احتياجاتها من سوق العمل.. والطرف الثالث ـ المهم – هو المجتمع الذي آن الأوان أن يدرك حقيقة ماثلة للعيان تقول إن البطالة تهديد حقيقي يواجه البلاد واستقرارها وسلامة مجتمعها، وأن 70% من طالبي العمل هم من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين العشرين والخامسة والثلاثين عاما. والاستمرار في تجاهل هذه الحقائق والتمترس خلف عادات يمكن تجاوزها، ووضع العراقيل أمام توظيف المرأة بالذرائع التقليدية؛ سيضاعف من المشكلات ويرحلها إلى المجهول حيث تختلط الأوراق وتتعقد الحلول.