مشكلة البطالة ليست مشكلة وزارة العمل وحدها وإنما مشكلة شاملة تساهم فيها عدد من الجهات الحكومية، فلا يمكن استثناء وزارة التجارة والصناعة أو هيئة الاستثمار من مسؤوليتها في تنامي البطالة

تبذل الدولة - حفظها الله- منذ تأسيس المملكة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله، بسخاء على مجالات التنمية الاقتصادية من تعليم وصحة وبنية تحتية، وحتى في ظروف اقتصادية انخفضت فيها إيرادات الدولة، التزمت المملكة بالدعم واقترضت لمقابلة النفقات الضرورية، وكل هذا في سبيل رفعة الوطن ورفاهية شعبه. مع هذا التوجه للقيادة حفظها الله والرغبة الواضحة في رفعة الوطن والدعم المالي اللامحدود، يمكن القول إن المشكلة في عدم تحقق أهداف مشروع السعودة يتمثل في ضعف التخطيط والتنفيذ والرقابة، وغياب مؤشرات أداء حقيقية ومستقلة وغير متحيزة.
تشير نسب البطالة الحالية إلى وجود (10,5%) أو تقريباً (450) ألف عاطل وعاطلة سعوديين، بينما يتبين من نظام حافز أن هناك أكثر من مليوني عاطل عن العمل، أي إن نسبة البطالة التقديرية تمثل أكثر من (4) أضعاف النسب المنشورة رسمياً، أي إنها قد تصل إلى أكثر من (35%) كنسبة بطالة، وهي نسبة قابلة للزيادة في ظل عدم وجود بيانات ومصادر دقيقة لهذه المعلومات، علماً بأن النسب المقبولة اقتصادياً وعالمياً يجب أن تقل عن (5%). هذه النسب تعتبر غريبة وغير مبررة في ظل وجود دعم لا متناه من الدولة واقتصاد قوي ومصادر دخل عالية، والأهم هو وجود أعداد كبيرة من العمالة الأجنبية تفوق الـ (9) ملايين حسب الإحصائيات الرسمية، وقد تزيد عن الـ (13) مليونا إذا أخذنا في الاعتبار العمالة المتخلفة وغيرها.
في عام 1415، أصدر مجلس الوزراء قرارا برقم (150) والخاص بمشروع السعودة، وقد نص القرار على إلزام القطاع الخاص بزيادة نسبة السعودة بمعدل (5%) سنوياً، مما يعني أنه لو تم تطبيق هذا القرار بكل حزم وبمتابعة ورقابة ومحاسبة حقيقية لوصلت نسبة السعودة إلى أكثر من (100%) قبل عام 1432، أي إننا قد نصل إلى وجود أكثر من وظيفة متاحة لكل طالب أو طالبة عمل سعودية، إلا أن هذا لم يحصل؟ فعلى مدى أكثر من (20) عاماً، ما زلنا نتحدث عن السعودة والمشكلة تتفاقم، وما زلنا نعاني من تبعاتها من مشاكل ليست اقتصادية فقط ولكن أمنية واجتماعية ونفسية.
سمعنا بنظام نطاقات والتسويق والتقديم الذي صاحبه، ولكننا لم نر أي ربط بين هذا النظام وقرار السعودة رقم (150)، سمعنا بنطاقات ولكننا لم نر أي علاقة أو هدف واضح بزيادة توظيف السعوديين والسعوديات. ويأتي الآن نظام حافز والمبني على قرار الدولة حفظها الله بتقديم مساعدة مالية لطالبي العمل حتى حصولهم على العمل، وهذا ما حرصت عليه الدولة من تقديم المساعدة، مساعدة مؤقتة وليست دائمة، مساعدة تمثل أداة ضغط على الجهات ذات العلاقة، إحداها وزارة العمل، للقيام بواجباتها الوطنية بتوظيف أبناء وبنات المملكة على وظائف متاحة ولكنها مشغولة بالعنصر الأجنبي.
وحتى نحكم على مدى نجاح أنظمة حافز ونطاقات وغيرها من المبادرات، يجب أن ندرس ونراجع ماذا حصل في المبادرات السابقة وأهمها قرار رقم (150)، فجميع المؤشرات الحالية توضح ودون أي مجال للشك أنه خلال العشرين سنة السابقة زادت:
1- نسب وأعداد البطالة بين السعوديين والسعوديات.
2- نسب وأعداد العمالة الأجنبية من أقل من مليونين إلى أكثر من (9) ملايين.
3- نسب وأحجام الدعم الحكومي للتجار والصناعيين في هيئات قروض ميسرة وأراض مجانية.
4- أعداد ما يسمى بالمستثمرين الأجانب، مما ترتب عنه دخول أعداد كبيرة من العمالة الأجنبية تنافس السعوديين على أبسط فرص العمل من نجارة ومقاولات ومطاعم، استثمار أجنبي لا يمثل أي قيمة حقيقية أو قيمة إضافية للاستمثار الأجنبي المطلوب.
تمثل خسائر نظام حافز أكثر من (8) مليارات سنوياً على أقل تقدير، وهي خسارة وليست تكلفة، فمع كل ريال يتم صرفه من ميزانية الدولة نفقد أكثر من 3-4 ريالات في الاقتصاد الكلي، أي إننا بصرفنا لأكثر من (500) مليار ريال نخسر أكثر من تريليوني ريال سنوياً، خسارة تمثل مكاسب لاقتصاديات دول أخرى مثل لبنان والهند وباكستان ومصر وغيرها.
ويمكن احتساب التكلفة الإجمالية للبطالة كما يلي:
1- (8) مليارات مساعدات مالية للعاطلين عن العمل.
2- مليارات تمثل مساعدات ودعم صندوق تنمية الموارد البشرية.
3- أكثر من (200) مليار تحويلات خارجية من قبل العمالة الأجنبية.
4- مئات المليارات تحويلات خارجية لشركات ومؤسسات أجنبية.
5- مساعدات الدولة للتجار والصناعيين في شكل أراض وقروض ميسرة، دعم لا يحصل عليه أي تاجر في أي دولة في العالم، في مقابل عدم استفادة الدولة من مشاريع القطاع الخاص، فهذه المشاريع لا توظف السعوديين، وتستهلك من المال العام وأراضي الدولة الكثير، ولكنها حتماً تفيد التاجر وأصحاب المصالح الخاصة.
6- تكاليف أمنية واجتماعية عالية جداً وتفوق بدرجات التكاليف الاقتصادية للبطالة.
وحتى يمكن حل مشكلة البطالة، يجب تشخيص المشكلة بشكل صحيح ومن ثم قبول المشكلة والتعامل معها بشكل كامل، ووضع حل شامل وعملي، وليس التعامل مع المشكلة غير الصحيحة أو التعامل مع المشكلة جزئياً أو تحميل مسؤولية المشكلة وحلها على جهة دون أخرى. مشكلة البطالة ليست مشكلة أو مسؤولية وزارة العمل، وإنما مشكلة شاملة تساهم فيها عدد من الجهات الحكومية، فليس من المقبول استثناء وزارة التجارة والصناعة أو هيئة الاستثمار من مسؤوليتها في تفاقم وتنامي مشكلة البطالة في المملكة، وبما أنها مشكلة مشتركة فالحل يجب أن يكون مشتركاً ومن خلال تبني مشروع وطني يبنى على القرار رقم (150).