لا يبدو المشهد ممتازا. إلا أنه بإمكاننا تقييمه بصورة مختلفة. فباستثناء كوريا الشمالية، لم تخرج أية دولة على الإطلاق عن المعاهدة. وفي العام 2010، لم تحصَل أية دولة موقعة لم تكن تملك القنبلة عليها
تواصل الولايات المتحدة هجمتها من أجل فرض عقوبات دولية جديدة على إيران. فهي ترى في ذلك شرطا لإنقاذ اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، فيما انعقد في واشنطن مؤتمر لتقييم هذه الاتفاقية، التي على الرغم من عيوبها، تعتبر درعا قانونيا وأخلاقيا مهما من أجل السلام العالمي.
تعود فكرة إنشاء معاهدة لحظر الانتشار النووي إلى الخمسينات، حين كانت ثلاث دول (هي الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا) تمتلك السلاح الذري، ودولتان أخريان، هما فرنسا والصين، تجريان أبحاثا لم يكن المراقبون حينذاك يشكون في نجاحها. لذا حثت الولايات المتحدة على الأمر منذ بداية الخمسينات، فهي المستفيدة الرئيسة من حد التسابق على امتلاك السلاح النووي، نظرا لكونها تشكل السلطة الأكثر تقدما في هذا المجال، وعملت على حصر دبلوماسي للتحكم بالقنبلة على مستوى الدول. وفق هذا المنطق، اقترح الرئيس آيزنهاور، في ديسمبر 1953، أمام الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، تأسيس وكالة مكلفة بمراقبة استخدام المواد النووية. ومن منظور السلام العالمي (ومحافظة كل دولة على موقعها)، سارعت الدول النووية الأخرى، أو تلك التي كانت على وشك أن تصبح كذلك، إلى مراجعة حساباتها: حيث إن لها مصلحة في آلية تقر لها بالتقدم الذي أحرزته، وتضع حدا لامتلاك أي دولة أخرى أداة النفوذ هذه التي تمنح صاحبها تميزا لا جدال فيه. لذا لم تفتقر المبادرة إلى حلفاء موضوعيين.
تقدّمت فكرة أيزنهاور حول خطورة الانتشار العام، مع بقائها لفترة طويلة رهينة موازين القوى بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي (كانت حرب كوريا قد انتهت لتوها). وبعد سجالات صاخبة، أنشأت منظمة الأمم المتحدة أخيرا الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أكتوبر 1956. وقضت مهمتها الأساسية ضمان عدم استخدام المنتجات الانشطارية الخاصة، وغيرها من المنتجات والخدمات والتجهيزات والإنشاءات والمعلومات التي تؤمنها الوكالة أو بطلب منها أو بإدارتها أو تحت إشرافها، لأهداف عسكرية. وبالمقابل، تعرض الوكالة خدماتها لـتشجيع وتسهيل التطوير والاستخدام العملي للطاقة الذرية، في العالم أجمع، لأهداف سلمية، ولأغراض البحوث في هذا المجال.
نجد إذن بأن سلم الأولويات معكوس في النص: فانطلاقا من موازين القوى حينها، وكالة الطاقة هي أولا حارس، ومن ثم ميسر. كما ينتج عن ذلك تبعات أساسية، وهي أنه على وكالة الطاقة، إن لم تكن تريد أن تبقى مجرد لجنة تقنية محايدة وعاجزة، أن تنطلِق من معاهدة ملزمة، على أن تتكفل بفرض احترامها على الدول. فما من حارس بلا قانون.
ومن ثم برزت معاهدة حظر الانتشار النووي. ففي الأول من يوليو 1968، تم التوقيع على نصها من قبل ثلاث وأربعين دولة (بما فيها كوريا الشمالية). وبعد التصديق عليها في 5 مارس 1970، دخلت حيز التنفيذ لمدة خمس وعشرين سنة، وشهدت نجاحا أكيدا، حتى إنها أضحت المعاهدة التي تجمع أكبر عدد من الدول (ثلاث دول فقط لم توقع عليها: إسرائيل والهند وباكستان). يستعيد النص في اعتباراته التمهيدية هدف وضع الذرة المدنية في متناول العالم أجمع، ويرسم، وهذا ما تم تناسيه، صورة مثالية لبشرية مجردة من الأسلحة النووية.
تكمن كامل قوة المعاهدة في أنها بغية تعويض الدول التي لا تملك أسلحة نووية عن التخلي طوعا وبحرية، بأن تقلص الدول التي تملك هذه الأسلحة، تدريجيا، وبصورة فعلية، ترساناتها من جهة، وأن تنشر بانفتاح ذهن تكنولوجياتها النووية المدنية من جهة أخرى، وأن تعتمد أيضا قوانين استخدامٍ مقيدة جدا، بحيث لا تشعر تلك الدول بأنها مهددة. ولم يتم تطبيق أي من هذه النقاط الثلاث بصورة مرضية. على الرغم من حواجز حظر الانتشار الموجودة في النص، ستكون الإخفاقات عديدة. لكن هل هي إخفاقات يمكن نسبها إلى معاهدة حظر الانتشار بالمعنى الحقيقي؟ إنه سؤال جدير بالطرح. النقطة السوداء الأساسية التي يجب تناولها: هي الصعود الذي سجلته الشقيقتان العدوتان في جنوب آسيا، الهند وباكستان، واللتان أصبحتا قوتين نوويتين عسكريتين، تعاقبا في العام 1974 و1985، وبقائهما غير موقعتين على معاهدة حظر الانتشار. وتشكل إسرائيل الإخفاق الثاني الأساسي، والأكثر إثارة للجدل على لائحة الدول غير الموقعة على المعاهدة، لأن هذا الإخفاق يترافق مع إنكار رسمي للواقع (بعكس باكستان والهند)، مع الدعم الثابت للولايات المتحدة، على الرغم من اطلاعها على كل ما يجب معرفته حول عدم الامتلاك الصوري للأسلحة النووية الذي تدعيه تل أبيب.
وتبدو حالة إيران أكثر وضوحا: فهذا البلد الموقع على المعاهدة سيخرق التزاماته، إذا ما سعى في الظاهر إلى امتلاك السلاح النووي، وبالنسبة للضمانات، لا شيء، إذ لا يمكن لأي من الصين أو روسيا الادعاء بأن لها تأثيرا نافذا على خيارات هذا البلد. أما كوريا الشمالية، من جهتها، فتشكل حالة خطيرة أيضا، كونها، وبعكس إيران، انسحبت من المعاهدة (في العام 2003)، وكون التقدم الذي حققته، وإن كان متأخرا، لا يزال يحظى بتغطية، وإن كانت غير مباشرة، من قبل دولة تمتلك أسلحة نووية، هي الصين، ولكن هذه الأخيرة تبدو، مع ذلك، بأنها أوقفت مساعدتها المباشرة لبيونج يانج بعد توقيعها على المعاهدة.
من وجهة النظر هذه، لا يبدو المشهد ممتازا. إلا أنه بإمكاننا تقييمه بصورة مختلفة. فباستثناء كوريا الشمالية، لم تخرج أية دولة على الإطلاق عن المعاهدة. وفي العام 2010، لم تحصَل أية دولة موقعة لم تكن تملك القنبلة عليها. ومنذ وضع معاهدة حظر الانتشار، لم يشهد العالم أية حرب نووية، ولا أي تصعيد إلى الحد الأقصى شبيه بما شهدته كوبا في العام 1962.
فما هي حدود فعالية معاهدة حظر الانتشار النووي؟ بانتظار الخيار صفر المثالي، تبقى تلك المعاهدة غير فعالة بشكل كامل، وتظل مرتهنة لعقائد ردعية مسؤولة للدول التي تملك أسلحة نووية (مبادئ عدم الاستخدام والاكتفاء بالضروري، على غرار فرنسا). علينا في المقابل أن نتخيل ما كان ليكون عليه الوضع في غياب هذه المعاهدة. في المحصلة، وفي حين يبلغ السجال حول البرنامج الإيراني أوجه، فلنوافق مع منتقديها بأن معاهدة حظر الانتشار النووي تشكل درعا مليئا بالثغرات، في مواجهة تهديد بالانتشار، لم تتمكن من القضاء عليه. غير أنها لا تزال تشكل درعا، وما يتراءى لنا عبرها لا يثير لدى أي شخص رغبة بالتخلص منها.