لم يؤبن رجال السياسة والاقتصاد والمال والصناعة والتقنية رجلاً مثلما حدث للسيد ستيف جوبز، رئيس مجلس إدارة شركة آبل، ويعود ذلك إلى وفاته وعمره 56 عاماً، في حين أن عظماء آخرين خدموا البشرية مثله، إلا أنهم تمكنوا من تقديم جلّ ما لديهم، وماتوا كهولاً، من أمثال أينشتاين، وفورد، وأديسون.
لقد حوّل جوبز شركة آبل عند عودته إليها في المرة الثانية من شركة توشك على الإفلاس إلى أكبر شركة في العالم، من حيث قيمتها السوقية (تنافسها اليوم على ذلك اللقب شركة إكسون موبيل).
دور السيد جوبز في شركته، ومثله دور مديرين آخرين مثل مايكل أيزنر (شركة ديزني)، وكذلك مديري الشركات التي أفلست مثل ليمان برذرز مع رئيسها (فولد)، وإينرون (ليك)، وغيرها من الشركات الأميركية الكبرى، يثير تساؤلاً هاماً، وهو كيف يحدث في أميركا- ذلك البلد الذي يفتخر بديمقراطيته - أن ذلك المجتمع يسمح لشركاته أن تدار بكل دكتاتورية من قبل شخص أو شخصين، مهمشاً بذلك دور باقي أعضاء مجلس الإدارة، ومتجاوزاً كل قواعد الحوكمة التي يفترض وجودها! ولذلك من يدرس تاريخ تلك الشركات الأميركية التي أفلست، فإنه يتعجب من قدرة ذلك الفرد على تمرير قراراته على مجلس إدارة يقف عاجزاً، أوغير مبال، أو يغض الطرف عن كل التجاوزات، مقابل ما يحصل عليه من مميزات مادية!!
ذات الحديث ينطبق على حالة مادوف، والذي كان رئيساً لسوق نازداك المالية، وهو الذي دلس وغشّ مدة عشرين سنة، وكان هو يتوقع أن يكتَشف منذ سنوات، ولم يحدث ذلك إلا بعد أن بلغ مجموع فاتورة احتياله (60) مليار دولار. لذلك لا تختلف حالة السيد جوبز عن غيرها، إلا من حيث إنه كان دكتاتوراً (جيداً)، مقابل الأسماء الأخرى التي أفلست بشركاتها.
المحصلة لكل ذلك هي أنه مهما بلغ النظام، والتنظيم، من محاولة ضبط الأمور في الشركات، ومثلها يحدث في الحكومات، فإن الجهد الفردي هو الأقوى والأقدر على تحريك الأمور، إما إيجاباً، أو سلباً.
كم كنت أود إسقاط ذات الملاحظات حول الشركات الأميركية، على الشركات المساهمة السعودية، ولكنني لن أستطيع الحديث كثيراً عن الشركات السعودية، إلا من حيث طول المدة التي يقضيها رئيس مجلس الإدارة، والمدير التنفيذي لأي شركة، ولن أسمي هنا إلا شركتي، التي قضيت فيها (16) عاماً، ومن ثم من حق أي مساهم أن يسألني: ألم تقدم كل ما لديك؟ وألم يحن الوقت لتجديد الدماء، وإتاحة الفرصة للآخرين؟!
هنا أعترف بأن الطبيعة البشرية، وربما الشرقية تحديداً، لا تؤمن بمبدأ التقاعد، والتمتع بما بقي من العمر، وأسوأ من ذلك، هو الشعور الذي يتكون لدى المدير أو المسؤول بأنه هو وحده المنقذ.
وهنا أجدني أسترجع نكتة قديمة تعبر عن موضوع المقال، وهي أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وبعد أن ألقى خطاباً، سمح للجمهور بالتحاور معه، فقام شخص وسأله، هل يمكن لمصري قبطي أن يكون وزيرا؟ فأجاب الرئيس بالإيجاب، والترحيب. ثم قام آخر، وسأل عن إمكانية تعيين مصري قبطي، رئيساً للوزراء؟ وأجاب الرئيس بذات الجواب. وجاء ثالث وسأل، عن إمكانية تعيين مصري قبطي رئيساً للجمهورية؟ فأجابه الرئيس باللهجة المصرية، اترزي (أي اقعد)، ولا حتى مسلم!!