العالم الإيطالي باريتو أتى بالقانون الاقتصادي الشهير 20/80 ويعني به أن 20? من المصانع تنتج إجمالي ما تنتجه 80?، وأن 20? من الأثرياء يحصلون على ثروات ودخل 80? من المجتمع. هذه النظرية أعتقد أنها أثرت على عقلية القارئ العربي بشكل واضح، حتى أصبح عاشقاً للإحصاءات المقاربة لهذه النسبة، وأصبح متلهفاً لقراءة الأخبار والآثار التي فيها أن هناك أكثر من 60،70،80 بالمئة من المجتمع!
أشهر العناوين في العامين الفائتين أن 80? من المبتعثين يشربون الخمر! وطبيب نفسي يقول إن أكثر من 60? من المبتعثين يتعاطون الحشيش! ولا أستغرب غداً لو قام أحد خبراء الطاقة النووية بالتصريح أن 90? من المسلمين قابلين للتحول إلى يورانيوم!
قد يذهب طالب إلى عيادة نفسية، سواء أكان الطالب مبتعثا أو غير ذلك، ويشتكي للأخصائي من إدمانه، أو أن يبكي شاب على أحداث معينة، ويتصل بداعية من الدعاة يطلب منه مساعدته في الخلاص مما هو فيه. النتيجة لهاتين الحالتين - كمثالين افتراضيين - أن الداعية سيصرح أن هناك أكثر من 80? من المبتعثين يشربون الخمر، وينقز الأخصائي النفسي بحثاً عن الفلاشات ليقول إن هناك أكثر من 60? من الدارسين في الخارج يتعاطون الحشيش! الحقيقة أنه لم يذهب أحد منهما لإحصاء عدد الطلاب، ولا لإجراء إحصاء حتى عن طريق الإنترنت، كل ما في الأمر أنه نام واستيقظ ووجد نفسه محاطاً بالأرقام والإحصاءات الرنانة، التي تتجاوز 50? في كل شيء!
أنا أشكر باريتو طبعاً، لأنه أثبت أن 20? من المجتمع يتحدثون نيابة عن 80? الآخرين! بإذن أو دون إذن، وبتهم تصل أحياناً إلى القدح في أخلاقهم ووطنيتهم!
الأرقام والنسب مثيرة لشهية القارئ، ونحن الصحفيين نبحث عنها، لأنها ستكون العنوان الرئيسي. قد نتحمل وزر النشر، لكن المسؤولية تقع على من نصب نفسه عالماً أو باحثاً، متحدثاً في كل شيء، يسير في الطرقات وهو يقول: 80? من هذه الأشجار التي نراها في الطريق هي تشبه بالغرب، يجب أن نعود إلى زمن النخيل والأعناب!