كنت أرى طلابا لهم شوارب ولحى يقفزون سور المدرسة الثانوية للخارج يساعد بعضهم بعضا، خطر لي مرة أن أسأل أحدهم لماذا تفعلون ذلك فكان جوابه: لنخرج، نفطر ونشرب شاهي، ونرجع.
ما كنت أعاتب الطلاب على صنيعهم، ولا أجد حجة في إقناعهم بالعدول عنه، فهم يطلبون طعاما وشرابا أفضل مما هو متوفر في المدرسة، والسبب الأهم هو الفطرة الحرة التي أعطاهم الله، يريدون ممارسة فعلٍ اختياراً يشعرون أنهم مسؤولون عنه. حتى لو كان فعلا صغيراً خاطئا. المفارقة الجميلة أنهم يرجعون للمدرسة وهم يعرفون أنهم عرضة للعقاب.
قبل أيام كنت واقفا على باب مدرسة ثانوية له قضبان كالسجن، مغلق بقفل وسلسلة غليظة، يقف طلاب خارجه وآخرون داخله، سألت من هم بالخارج عن وقفتهم قالوا إنهم استأذنوا للخروج ورجعوا يريدون الدخول لكن حارس الباب يتناول فطوره في غرفة مجاورة، وسألت من هم بالداخل عن وقفتهم فقالوا إنهم هكذا بلا شغل ولا يريدون الخروج، مستمتعين بالنظر للخارج من خلال القضبان، فهنا فقط يمكنهم رؤية الأفق والهواء النقي.
طال انتظار الحارس فتذمر الطلاب خارج الباب وقالوا من المفروض أن يكون الباب مفتوحا طوال اليوم، قلت لهم لكن لو خرج طالب ودهسته سيارة فلن يرحم أحد مدير المدرسة. اقتنعوا بجوابي. وأنا غير مقتنع به.
رأينا مدارس في الخارج لا أسوار لها وطلابها منضبطون يروحون ويرجعون، وأسرهم تعرف أن مهمة المدرسة هي تعليم الأبناء لا سجنهم خوفا على حياتهم.
كارثة مدرسة براعم الوطن كانت ستكون أكبر من كارثة حريق مدرسة مكة الشهير لولا المناخ الاجتماعي والنظامي الذي شاع في البلاد منذ سنوات قليلة سمح للناس والمطافئ بالدخول للمدرسة دون تعقيد، ولو أن تمرينات الإخلاء تؤخذ بجدية لكانت النتيجة أخف بكثير. مدارسنا سجون، في أسوارها وأبوابها وطريقة بنائها ونوافذها المشبكة بالحديد وزجاجها المسلح الذي لا تنفذ منه الرؤية، إنها ضد تنمية الحرية المسؤولة.
أما مدارس البنات فحكاية أخرى.