تم استنفار وتجنيد كثير من الشباب، الذين تسلل مرض 'الحريم فوبيا' إلى نفسياتهم الغضة، من خلال الخطاب المركز والمتواصل، لإشعارهم بخطورة المرأة وتواجدها في المشهد الاجتماعي، وربط تصديهم له بدفاعهم عن أعراضهم، وحمايتهم لها

عندما تواجه أي جهة حكومية عقبة كأداء، لا تكاد تتزحزح عن طريق تطبيق قرار من قراراتها التي تعتبرها خطوة استراتيجية، لمعالجة مشكلة ترى أنها معيقة لخططها المستقبلية التي ستعالج من خلالها حزمة من المشاكل المنوط بها حلها، وتفتح حزما من الفرص المستقبلية أمام المستهدفين بخدماتها؛ فذلك ناتج إما عن قصور في حيثيات القرار ومعطياته، وإما يصادم القرار الجديد نفسيات فئات ويربكها، وعليه يفقدها توازنها؛ ويجعلها تقف بكل قضها وقضيضها لإعاقة تطبيقه، إما بالعويل والتحذير، وإما حتى بالتهديد والوعيد، وإما بلغة تتصنع الهدوء والعقلانية، والغيرة على المصلحة العامة.
كل العوائق البيروقراطية قابلة للحل، ما عدا العوائق النفسية، فهي العوائق الكأداء التي عادة ما تعترض تنفيذ قرارات الدوائر الحكومية وتصيبها بالصداع والدوار، لدرجة القلق والإرباك، لحد جعلها تفقد الجدية في تطبيقها؛ وتخرج في النهاية، مشاريع مسخا مشوهة، ليست كما خطط لها في نسختها الأولى، فالمشاريع التي تتصادم نفسياً، مع فئات شعبية ذات صوت مرتفع؛ هي المشاريع التي تتعلق بالمرأة، مثل قيادة المرأة للسيارة، وتأنيث محلات الملابس النسائية، ورياضة المرأة، وحتى تعليم المرأة للطلاب في المراحل الابتدائية الأولية. فكل مشروع تنموي يخص المرأة، يعتبر بالنسبة لبعض فئات الشعب، صادماً ومربكاً؛ وذلك لكونه تابو نفسيا، من المحرمات السيكلوجية التي لا تحسن التفاعل معها النفسيات المأزومة بداء الحريم فوبيا.
وداء الحريم فوبيا، هو مرض نفسي، أصاب فئات من مجتمعنا وتغلغل وتمكن منها، لدرجة المس، من بداية الثمانينيات ميلادية. ومن أعراضه عدم ظهور المرأة في التلفزيون أو وسائل الإعلام الأخرى، وتغييبها عن المشهد الاجتماعي ناهيك عن المشهد التجاري والثقافي. وتم تمرير وتبرير وتسويق الخطاب المتعلق بعزل المرأة عن كل مناحي ومناشط الحياة الاجتماعية، من خلال الزخ المكثف والمركز والمكرر عبر المنابر والكاسيتات والخطب والندوات والمحاضرات والمعسكرات، وكذلك عبر منشوراتها وكتيباتها، التي وزعت نسخا منها بالملايين، احتساباً على الناس، في المدارس والأسواق، وأماكن التجمعات، والتي تسللت أدبياتها، المركزة والمؤكدة على جعل معضلة الحريم فوباوية النفسية، جزءا من نفسية الشخصية السعودية الناشئة، حتى إلى المناهج الدراسية، الرسمية، وذلك لبرمجته برمجة نفس - عصبية، ليتولى دعم أجندتها السياس – اجتماعية، ويطبقها على الأرض؛ وذلك بمكافحة المرأة، من الاقتراب من المشهد الاجتماعي، أو التفكير في الوصول إليه.
سمعت أحد الأشرطة، صدفة يجلجل عالياً، وأنا أتسوق في أحد معارض الكتاب، في جامعة الملك سعود؛ يردد وبصوت مأزوم، التحذير من وجود إسكانات جامعية للطالبات؛ حيث ورد إلى علمه، أنه يحدث شيء من الغزل بين بعض الفتيات وبعض. وهذا دليل على تأزم التأزم، عند هذا الدعوي، الذي صحا لديه، مرض الحريم فوبيا إلى درجة تحوله إلى مرحلة هستيريا الحريم فوبيا. حيث تغول لديه المرض النفسي؛ لدرجة مطالبته بفصل المرأة عن المرأة كذلك. وهذه طبيعة الأمراض النفسية إذا لم يتم تداركها ومعالجتها في بداياتها، فهي تتحول إلى هستيريا، ثم تتحول إلى هسترة وجنون. كما أن أحدهم، علق على محاولة بعض النساء قيادة سياراتهن، في بداية التسعينيات من القرن المنصرم؛ بقوله، إنهن يردن قيادة الأمة، وليس قيادة المرأة. أي بأن هؤلاء قد ربطوا أي مشروع تنموي أو تحديثي وطني، يخص المرأة، بمؤامرات خارجية أو داخلية على الأمة.
ولذلك فقد تم استنفار وتجنيد كثير من الشباب، الذين تسلل مرض الحريم فوبيا إلى نفسياتهم الغضة، من خلال الخطاب المركز والمتواصل، لإشعارهم بخطورة المرأة وتواجدها في المشهد الاجتماعي، وربط تصديهم له بدفاعهم عن أعراضهم، وحمايتهم لها. ولذلك كان كثير من الشباب، يتحركون بوعي أو لاوعي، آحاداً وزرافات، وبأوقات متواصلة ومتكررة، لزيارة أي مسؤول مهما علا ورفع قدره وعلمه ومنصبه وعمره، ممن كانت دوائرهم الحكومية التي يديرونها، تتولى رعاية شؤون المرأة جنبا إلى جنب مع الرجل، مثل المستشفيات والمستوصفات، والمطارات وما شابهها من دوائر حكومية خدمية، ليطلبوا منهم التأكيد على عزل النساء عن الرجال عزلا تاماً، وحتى لو أتى على حساب أداء المنشأة الحكومية الخدمية، أو حتى على جمالياته المكانية. فليس بالمستغرب آنذاك، بأن تزور مستشفى، وتجد اللوحات التحذيرية المهينة التي تطالبك، بالتحرك من هذا الاتجاه لا الآخر. ثم تزوره ثانية، فتجد أن ستائر قد رفعت هنا وهناك. وتزوره ثالثة، فتجد أن الستائر قد تحولت إلى ألواح من البلاكاش. فتزور نفس المكان زيارتك الرابعة، فتشاهد أن جدرا قد ارتفعت بدل ألواح البلاكاش، وهكذا كان المرض النفسي يدير بعض دوائرنا الحكومية آنذاك، ناهيك عن المحلات التجارية، والأسواق التجارية والحدائق العامة؛ وحتى المماشي. وعندما تسأل المسؤول، لماذا استجاب لمطالبهم اللامنطقية واللامهنية، يجيبك، بـباب يجيك منه الريح سده واستريح. حيث إذا لم يستجب لهم فسوف يتهم بالتغريب، والعلمانية؛ هذا إذا لم يصموه بـالدياثة، ويحيكوا المؤامرات ضده، مما قد يزيحه من منصبه. وهذا وللأسف الشديد كان واقعا مريرا مررنا به، يعتبر من أكبر عوائق وتشويه التنمية لدينا.
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتفجيرات الإرهابية في بلادنا وغيرها، بدأنا في تفكيك ذلك الخطاب، رسمياً وإعلامياً ومازلنا نفعل ذلك، الذي أدى بنا إلى كوارث إنسانية، أنجانا الله من شرها. ولكن يجب أن نعترف بأن أوبئة الصحوة النفسية، مازالت تحرك المصابين منا، بمرضى الحريم فوبيا النفسي، الذي تغلغل بنا لدرجة التغول؛ ولذلك يجب علينا أن نجابهه بكل شجاعة وثقة؛ ليس فقط لإكمال تنمية إنساننا السعودي، ذكرا كان أو أنثى، بدون تفرقة أو تأجيل، وهذا ما نحن بصدده؛ ولكن حتى لمعالجة المصابين منا بـفوبيا الحريم، حتى لا يتأزم عندهم المرض، ويتحول إلى هستيريا، لنتخلص من شر هذا المرض النفسي اللاإنساني. واللاحضاري، للسير بتنميتنا البشرية وبناء الإنسان السعودي، بناء متوازنا وعادلا.
ومعالجة المريض نفسيا المتوهم، تكون عبر مجابهته بما يتوهم به ويخاف منه نفسياً، حتى يكتشف مع مرور الوقت أن وهمه كان مبنيا على أوهام، وليست حقائق. وذلك عبر تواجد المرأة في كل المحلات، الشارع، المحلات التجارية، قيادة السيارة، زيادة على تواجدها في مجلس الشورى والمجالس البلدية، جنبا إلى جنب مع الرجل. كما تواجدها في المحافل التعليمية والثقافية، والتجارية، جنبا إلى جنب مع الرجل. فتأثيث جميع المحلات العامة، بالنساء؛ هو السبيل الأمثل لتأنيث المحلات النسائية وغيرها، لا العكس. وذلك لإعادة التوازن النفسي، للإنسان السعودي العادي، الذي تم إرباكه، من خلال ثلاثة عقود من الخطاب الأيديولوجي، الذي استهدف شيطنة المرأة.