من الضروري أن ندرك أن المشكلة الحقيقية ليست في التقنية، أو نتاجاتها، إنما المشكلة تكمن في من يسيء استخدامها، أو من يستهلكها، ولا بد من معالجة الوضع بشكل شمولي بمشاركة كافة مؤسسات المجتمع

في كثير من دول العالم الثالث يتم استهلاك التقنية ونتاجاتها المختلفة بأساليب قد تخرج عن المألوف، وعن الأغراض، أو الأهداف التي من أجلها تم تطويرها، ولا بد أن ندرك أن أي اكتشاف علمي، أو تقني – في الغالب - لم يتم إلا لأغراض سامية تهدف إلى خدمة الإنسان، وإسعاده، والعمل على راحته، وتوفير جهده، وماله، ووقته، ويتوقع أن يتم توظيف التقنية ونتاجاتها المختلفة بما يتوافق مع الاحتياج الحقيقي للفرد، ويلبي احتياجاته الفعلية، وقد أصبحت التقنية في متناول كثير من أفراد المجتمع نتيجة لتنوعها، ولتطويرها بشكل مستمر، ولانتشارها السريع، وسهولة الحصول عليها، ونتيجة لما سبق كان من بين أفراد المجتمع من يستهلك التقنية، ومن يستخدمها، ولابد أن نميز بين من يستهلك التقنية، وبين من يستخدمها، فعلى سبيل المثال إذا كان هناك 99% من التقنية ونتاجها يستخدم في الجوانب الإيجابية، وما نسبته 1% منها يستخدم في الجوانب السلبية، فلنا أن نتخيل كيف سيكون حال الجيل القادم الذي قد يسيء استخدام (يستهلك) التقنية بدرجة كبيرة؟
فالمستخدم للتقنية هو من يوظفها إيجابيا في الجوانب التي تعود عليه بالنفع، والفائدة، وهو الذي يستخدمها في تحقيق أهدافه النبيلة، فقد يوظفها في تيسير أموره اليومية، وتواصله الإيجابي مع الآخرين، والاستخدامات الإيجابية للتقنية عديدة، ومتنوعة، وتوفر للفرد إمكانات مختلفة وهو في منزله، أو في متجره، أو في مكتبه، أو في أي مكان، كما توفر عليه الجهد، والعناء، والتكلفة، والوقت، وهذا يحتاج إلى استخدام واع للتقنية، ونتاجاتها، وهنا أن أرى أن من يستفيد من التقنية إيجابيا هو المستخدم الحقيقي لها ؛ لأن الاستخدام للتقنية يعود على الفرد، والمجتمع بالنفع والفائدة.
أما المستهلك للتقنية فهو من يوظفها سلبيا في تحقيق أهدافه الشخصية، والمستهلكون للتقنية ونتاجاتها في هذه الأيام كثر، وذلك نتيجة لعدم إدراكهم لنتائج ما يقومون به من استهلاك سيئ للتقنية، ولجهلهم، أو لتجاهلهم لما يترتب من ضرر بسبب تلك السلوكيات التقنية الخاطئة، والأمثلة على استهلاك التقنية عديدة، ومن أهمها الاستخدام غير الصحيح للإنترنت مثل الغوص في المواقع الإباحية الموجهة لهدم الأخلاق، والقيم والتأثر بها بدرجة كبيرة، وكذلك ما يترتب على إدمان الإنترنت من ضياع للوقت دون فائدة مثل قضاء أوقات طويلة في المحادثة، أو الدردشة غير المفيدة من خلال الشبكة، وما يترتب عليها من سلبيات، واستدراج، ويقع كثير من الضحايا نتيجة لاستهلاك الإنترنت، والاستخدامات السلبية أكثر بكثير مما أوردته من أمثلة، وتأثيراتها غير المرغوبة كثيرة، وعند الحديث عن استهلاك وسائل الاتصال، أو الهاتف ممثلا في سوء استخدام الهاتف الجوال عندما يعمد بعض ضعاف النفوس من تعمد الإزعاج من خلال الاتصال من رقم يعود لشريحة باسم شخص آخر غير موجود، أو غير معروف، أو مجهولة، مثل الأرقام التي بأسماء مقيمين تم خروجهم بشكل نهائي، ولنا أن نتخيل ما يترتب على المكالمات المجهولة من مغازلات، وتهديد، وابتزاز، وغير ذلك من السلوكيات غير السوية في مجتمع محافظ، ولنا أن نتخيل كم يرفع للجهات الأمنية من قضايا الإزعاج، وما تسببه هذه القضايا لهذه الجهات من أعباء، ولله الحمد فإن الجهات الأمنية حققت إنجازا كبيرا في التعرف على مصادر هذا الإزعاج حتى وإن كانت من أرقام مجهولة يختفي وراءها ضعاف النفوس، ويقومون بسلوكياتهم المشينة ظنا منهم أنه لن يتم التوصل إليهم، والاستخدامات السيئة للهواتف تتعدى قضايا الإزعاج إلى جوانب أكثر حساسية مثل التصوير، والابتزاز، وغير ذلك، كما أن الاستهلاك الآخر للتقنية يتمثل في متابعة ما يبث في كثير من القنوات الفضائية التي تقدم برامج تخدش الحياء، أو برامج دينية، أو فكرية موجهة، ومغلوطة تبث أفكارا هدامة تؤثر في توجهات الشباب، وأفكارهم، وأخلاقياتهم .
وهنا أرى أنه من الضروري أن ندرك بأن المشكلة الحقيقية ليست في التقنية، أو نتاجاتها، إنما المشكلة تكمن في من يسيء استخدامها، أو من يستهلكها، ولا بد من معالجة الوضع بشكل شمولي بمشاركة كافة مؤسسات المجتمع الاجتماعية، والاقتصادية، والإعلامية، والأمنية، ومن الضروري أن نفكر في الأساليب التي يمكن أن تحمي الجيل الجديد من استهلاك التقنية، وتوجههم إلى الاستخدام الأمثل لها بما يخدمهم، ويحقق أهدافهم. والأسرة مطالبة بالقيام بدورها الحقيقي في هذا المجال فمثل ما هي تعمل على توفير هذه التقنيات لأفرادها، هي في المقابل مسؤولة بالدرجة الأولى عن متابعة توظيف ما تم توفيره من تقنيات بأساليب تربوية تحقق الوعي التقني السليم لأفراد الأسرة، وتتيح لهم التوظيف (الاستخدام) المناسب للتقنية، وأتمنى أن نكون منتجين، ومطورين للتقنية، ومستخدمين لا مستهلكين لها.