في كل عام كان للشاعر السعودي الكبير أحمد إبراهيم الغزاوي ـ رحمه الله ـ موعد مع المنصة الشعرية 'ليهز الوجدان

في كل عام كان للشاعر السعودي الكبير أحمد إبراهيم الغزاوي ـ رحمه الله ـ موعد مع المنصة الشعرية ليهز الوجدان، ويبهر العقول، ويأخذ بمجامع الألباب، ببديع بيانه، ورصين عبارته، وأنيق وصفه، وفوق كل ذلك صدق العاطفة، وحسن الإلقاء، كان كما يقول عبدالمقصود محمد خوجة: يستفتح قصائده بدعاء من القرآن الكريم رب اشرح لي صدري.. واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي. ويقول عنه الشاعر الراحل حسين عرب: وبرغم أن المديح لدى الشعراء ينحصر في حب الممدوح بصفات الجمال والكمال والشجاعة والكرم، فإن البعض يستطيع توليد المعاني التي تعبر عن المدح ويلبسها معنى آخر من أبكار المعاني كما يفعل الغزاوي، ففي قصيدته التي ودع بها الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ وأنشدها أمامه في الميناء الذي غص بطبقات الشعب كافة، من بدو وحاضرة ومن سفراء الدول العربية والإسلامية والأجنبية، وقد حدث أثناء إنشادها في ذلك الزحام، أن كانت بعثة الشرف المصرية حاضرة ومن بين أعضائها عباس محمود العقاد، وكان مطلعها: أمامك من حفظ الإله دروع وخلفك شعب طامح وربوع. وأيان ما تمضي مشينا كأننا وإياك قلب نابض وضلوع. وعندما وصل الشاعر في إنشاده إلى البيت: وأخشى الذي نخشاه في مصر أنها.. توقف قليلاً وأعاد هذا الشطر مرتين، مما استرعى انتباه الجميع خشية أن يكون الشطر الآخر مما يجب أن لا يقال في مثل هذا المقام، فإذا به يعيد البيت كاملاً: وأخشى الذي نخشاه في مصر أنها تشاركنا فيك الهوى فنضيع. وهنا افترت المباسم، وعلت أصداء التصفيق. إن المتأمل في حوليات الغزاوي يلمح تلك المنطقة الجمالية الخصيبة، حين يتفوق على خلجاته التقليدية، ويذهب إلى تطويع استجاباته الانفعالية، مدججاً بفحولة لغوية ومكونات روحية وعقلية وبلاغية، والتماعات وقادة زاهية، فتحس في شعره ذلك السلطان الشعري الخفي، وذلك التصعيد التوليدي الذي يعتمد على الجملة الشعرية الباذخة، مما ينتج نسيجاً إيقاعياً متناسقاً وعصرياً، فهو لم يثقل شعره باستعارات شعرية قديمة ومستهلكة، ولم يقع في أتون محسنات لفظية جاهزة، وبلاغيات أسلوبية ضيقة. يؤكد ذلك مطالع قصائده التي كان يقولها أمام الملك عبدالعزيز، فقد كان شديد الاحتفاء بمفتاح القصيدة كقوله: تاريخ عهدك بالأنوار مسطور وحجك المبتغى لله مبرور. ويقول في أخرى: لمن الوفود تفيأت بظلاله.. وتدثرت حلل السنا بنواله. ولمن تهافتت القلوب وقد رنت كل العيون مهابة لجلاله. ويقول في حوليته عام 1349 هـ: أرأيت كيف مظاهر العباد.. وأخوة الإسلام في الأحفاد. وشهدت أرهاط الحجيج كأنها.. حول الحطيم مواكب الأعياد. ويقول دفاعا عن أرضه وولاة أمره: أشاع المرجفون بكل قطر.. شوائع تملأ الدنيا اكتئابا. وظلوا ينشرون السوء عنا.. وما ندري لنا ذنبا معابا. سوى أنا على التقوى أقمنا.. صروح الدين واجتزنا الصعابا.