إن مشهد الضبع، وهو حيوان كريه الشكل، ينقض على الغزال الجميل الهادئ الملامح، ليس مشهدا محببا للنفس، لكنه لا يحتمل النقد بالصح أو الغلط، بل هو جزء من تداعي الطبيعة بكل ما يحمله من قبح. هذه الصورة ذكرتني بواحدة من أقبح المشاهد التي رأتها عيني، وهي انقضاض الثوار الليبيين على معمر القذافي، وأنا هنا لا أعني أنه هو الغزال وأن الثوار هم الضباع، بل إن المشهد كان من تداعيات الطبيعة وأن هذا هو المصير المتوقع للقذافي.
فقد حبس الشعب 42 عاما، وجهّلهم بالعمد وبأنظمة مدروسة. فمنع عنهم تعلم لغة العصر التي تحمل كل علوم الحضارة، وخفض من فرص الخروج من البلاد، وطارد مثقفيهم وقتل خيرة رجالهم، فكان كمن حبس وحوشا صغيرة ضارية دون أن يهجنها. والنتيجة أن انقضت عليه وقتلته.
ما كان يضيره لو أنه أسس لنظام تعليمي حضاري وتنازل هو وأسرته عن بعض ثروته وسلطاته للشعب. فالثروة والسلطة ما إن تبلغا حداً معينا حتى تتساوى المتعة العائدة منها على أصحابها، فمن يملك 10مليارات يمكنه التمتع بكل ما يتمتع به من يملك 15 مليارا. لكن الفرق يكمن في جشع الإنسان ونفسه المثقوبة التي لا يملؤها سديم الكون كله.
لو أنه احترم حقوقهم، لحكم شعبا متحضرا وسجل لنفسه تاريخا ناصع البياض وميتة جليلة ودفنا كريما في أفضل بقاع ليبيا، ولعاش كما تعيش أسر القادة والرؤساء في الدول المتحضرة التي ينعم أفرادها بالسلام والرفاهية حتى آخر أيام حياتهم.
نحن لسنا ضد مشهد تعذيب القذافي وإهانته لأننا نحترمه، أو لأننا ـ كعادة العرب ـ نسينا أفعاله ونسينا آهات ودموع الثكالى والمعذبين على يده، بل لأن أمر هذا الرجل الطاغية لم يعطَ لفئة سليمة وصحيحة نفسيا وعاطفيا، بل تُرك للنفوس المجروحة من أفعاله لتنهش في جسده دون تعقل، وبالتأكيد لن يكون حكمها عليه متزنا ومنصفا.
بقليل من العقل؛ لو أن كل ليبي أُعطي فرصة لأن يقضم من لحم هذا الرجل قطعة لما أعاد ذلك سنة واحدة من سنوات العمر التي ضاعت في الخوف والجهل والفقر والذل والمهانة التي عاشها الإنسان الليبي. لذا فإن ما قام به الثوار هو فقط سكبُ وحلِ ونتن الغضب الذي تمتلئ به نفوسهم المجروحة أمام شاشات العالم.
هذا مؤشر تخلف مخيف ومريع، فثوار تمتلئ نفوسهم بهذا الحجم من البؤس والحقد أشك في أن يكون توجههم للقطيعة مع الماضي البائس وبدء صفحة جديدة من البناء والنهضة ممكنا, فالأمم المتحضرة ليست الأمم التي تنصف المظلوم، بل الأمم التي تنصف الظالم, وهي ليست الأمم التي تسعى لإطفاء غليل غضبها، بل الأمم التي تدرك حجم غضبها وتتحكم به.
حقيقة ظواهر كثيرة نراها في ليبيا تجعل الوضع لا يبعث على التفاؤل، لكن ما يعزينا قليلا هو أن أولى خطوات النهوض كانت بالتأكيد التخلص من ذلك النظام المريض، وأن واحدة من أكبر تجارب النهضة الإنسانية والتي أخرجت لنا واحدا من أجل المواثيق الانسانية، وهي وثيقة حقوق الإنسان، كانت الثورة الفرنسية التي قامت على حد المقصلة.