كما نُعلِّم الناس الفرح فلا بأس أن نعلمهم الحزن ونعلمهم كيف يكونون أوفياء، والكلام عن مناقب الراحل لن ينتهي، وخير ما نقدمه الدعاء بأن يكتبه الله عنده في المحسنين
انتقال المغفور له الأمير سلطان إلى رحمة الله حرك في الناس أحزاناً وأشجاناً.. شخصياً أبتدئ بما لاحظته عند البعض من التشديد على إضافة عبارة بإذن الله بعد عبارة المغفور لهـ ومنع كلمة المرحومـ واستبدالرحمه الله بـ يرحمه اللهـ وما أعرفه هو أن من لا يستعمل بإذن الله لا يريد الإخبار والجزم والتزكيةـ إنما يريد الدعاء والرجاء والتمني، ثم إنه من حيث اللغة لا فرق بين مدلوليْ المرحوم ورحمه الله، لأن كلتا الجملتين خبرية، والعمدة على النوايا. مسألة أخرى وهي ما قام به محبونا من إعلان الحداد الرسمي على الفقيد ـ وما صادفه الإعلان من ذكر أن الحداد مخالف للشريعة المحمدية، وفيه تشبه بأعداء الإسلام، وخاص بالمرأة؛ تحد على زوجها أربعة أشهر وعشراً ـ وعلى غيره ثلاثة أيام فأقل ـ وما سوى ذلك من الإحداد ممنوع شرعاًـ وليس في الشريعة الكاملة ما يجيزه. والحقيقة أن هذا غير مسلَّم به لقائليه ـ فقد ألف شيخ المذهب الحنبلي ومصححه ومنقحه الإمام المرداوي ـ المتوفى عام 885 ـ كتاب (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل) اعتمد فيه على كتاب (المقنع) لشيخ الإسلام ابن قدامةـ وتبيين ما فيه من الصحيح من المذهب والمشهورـ والمعمول عليه والمنصور. الإمام المرداوي ذكر في كتاب الجنائز من (الإنصاف) 2/568: يكره للمصاب تغيير حاله من خلع ردائه ونعله، وتغليق حانوته ـ وتعطيل معاشه، على الصحيح من المذهب، وقيل: لا يكره.. وسئل الإمام أحمد عن مسألةٍ يوم مات الإمام بِشر الحافي؟ فقال: ليس هذا يوم جواب ـ هذا يوم حزن.. وقال المجد: لا بأس بهجر المصاب الزينة وحسن الثياب ثلاثة أيام ـ وجزم به ابن تميم، وابن حمدان.
مثل هذا ذكره أيضاً مؤلف كتاب (مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى) 1/924 وغيره. ومن خلال النص يتبين بجلاء عدم تخصيص الحداد على الميت بالمرأة فقط ـ وأن هناك خلافاً حول منع الزينة وتركها حزناً للرجل، وأن ذلك لم يسموه إحدادًا ـ وأن الحداد مقبول ـ والخلاف منحصر في كيفيته، فقد يكون بتأجيل المناشط ـ أو قراءة القرآن ـ أو غير ذلك ـ أما عدم إعلان الحداد العام على الإطلاق فهو أمر قد يستغرب ـ لا سيما وقد مر سابقاً (لا يكره.. هذا يوم حزن.. لا بأس)ـ وكما نُعلِّم الناس الفرح ـ فلا بأس أن نعلمهم الحزن ـ ونعلمهم كيف يكونون أوفياءـ وفي هذا الصدد لا بد أن أذكر وأشكر وفاء خادم الحرمين الشريفين الذي ظهر على محياه وهو يلقي نظرات استقبالٍ ووداع معاًـ تجاوزت القطيفة الخضراء وما كتب عليها من آيات ـ والنعش الذي تحتها ـ إلى جثمان أخيه ـ وكأني به وهو يناجيه. الكلام عن مناقب الراحل كما ذكرت لن ينتهي، وخير ما نقدمه الدعاء بأن يكتبه الله عنده في المحسنين، ويجعل كتابه في عليين، ويخلفه في أهله، ولا يحرمنا أجره ولا يفتنا بعده، ويكسونا وإياه من حلل الكرامة يوم القيامة.
سمعاً وطاعة:
اختيار ولي الأمر لصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ـ حفظهم الله ورعاهم جميعا ـ ولياً للعهد أرجعني لسبع سنوات مضت ـ وتحديداً يوم أن تشرفت بأول جلسة (خاصة) إلى سموه الكريم، وقفت فيها على حب واهتمام سموه بالعلماء وطلبة العلم وجلساتهم ودروسهم العلمية.. إليك يا ولي العهد الأمين وإلى مقامك الكريم أرفع باسمي وباسم من يحبوك من طلاب العلم الشريف التهاني مقرونة بالدعاء بالتوفيق والعون.