يموت القادة العظماء وتبقى أعمالهم العظيمة، ويكتب التاريخ سير الرجال، ولكن سير العظماء منهم تبقى راسخة في الأذهان، ويكتب المؤرخون التاريخ بحبر أقلامهم، ونكتب تاريخ الأمير سلطان بماء من ذهب

أي قلم هذا الذي يستطيع أن يكتب كلمات رثاء في قامة عالية وقمة شاهقة مثل قامة الوالد الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه، وأكسبه الدعاء بالرحمة من الملايين من محبيه سعوديين وعرب ومسلمين في جميع أنحاء العالم، حيث وصلت أفضاله وشمل كرمه أبناء هذه الأمة، وأي كلمات أسطرها اليوم عن رجل شارك مع المؤسس والده الملك عبدالعزيز رحمه الله في كتابة تاريخ بناء هذا الوطن الغالي، وأي حروف من ذهب سنكتبها عن تاريخ إنجاز الأمير سلطان بن عبدالعزيز؟ سبعون عاماً من الإنجاز، منذ نعومة أظافره تحمل المسؤولية وحمل أمانة الحكم بجانب أشقائه من الملوك السابقين رحمهم الله، وبجانب أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله أطال الله في عمره.
إن إنجازاً عظيماً مثل إنجاز الأمير سلطان في وطنه يستحق بجدارة هذا الحب العظيم الذي قدمه له شعبه وشعوب العالم الإسلامي بأكمله، وإنها شهادة موثقة من قلوب صادقة لهذا القائد الذي لن تنسى الشعوب أعماله وأفضاله. ومهما كتبت وكتب غيري من الكتاب والمؤرخين لن نوفيه حقه، إلا أنها مشاعر صادقة صادرة من قلوب تسجل وفاءها لحكامها وقادتها.
وإذا كان الجميع قد عبر عن مشاعره تجاه المرحوم بإذن الله لأعماله في جميع المجالات إلا أن شهادتي اليوم تمثل شهادة أحد رجال الأعمال في القطاع الخاص السعودي، تجاه الدور العظيم الذي قام به الأمير سلطان في دعم الاقتصاد السعودي في مجالات التجارة والصناعة والخدمات، فهو راعي دعم التبادل التجاري الخارجي، حيث كان أكبر داعم للوفود التجارية السعودية تحت مظلة مجلس الغرف السعودية منذ إنشائه، حيث سخر لهذه الوفود جميع الإمكانات لأن تدخل الأسواق العالمية وتفتح مجالات التبادل التجاري والاستثمار الدولي، ووضع إمكانات الخطوط السعودية تحت تصرف رجال الأعمال لتنقلهم بطائرات خاصة مخصصة لرحلاتهم التجارية على حسابه الخاص، ولن ننسى أول رحلة لرجال الأعمال السعوديين لجمهورية مصر العربية قبل حوالي ثلاثين عاماً، لتبدأ العلاقات التجارية والاستثمارية بعد جمود طويل في العلاقات السياسية بعد زيارة الرئيس المصري محمد أنور السادات لإسرائيل، ولن ينسى رجال الأعمال في المملكة أول رحلة تجارية لأكبر وفد تجاري استثماري ذهب إلى دولة جنوب أفريقيا بعد استقلالها وتحريرها من الحكم العنصري، وبدء العلاقات الدبلوماسية مع دولة جنوب أفريقيا. وبعد زيارته الأولى لجنوب أفريقيا حيث كان الوفد تحت إشرافه ومتابعته وضيافته الخاصة، حيث خصصت طائرة خاصة لنقل أكثر من مئة رجل أعمال، وكانت بداية العلاقات الاقتصادية مع جنوب أفريقيا، ولن ينسى رجال الأعمال أول زيارة لجمهورية الصين الشعبية قبل بداية العلاقات الدبلوماسية مع الصين، وسخر الأمير سلطان رحمه الله جميع الإمكانات لنجاح مهمة الوفد التجاري، ونجح الوفد في مهمته، وبدأت العلاقات الاقتصادية بنجاح حتى أصبحت الصين أحد أكبر الشركاء التجاريين مع المملكة.
واستمرت جهود سمو الأمير سلطان لدعم القطاع الأهلي في المجال الصناعي والخدمي، وإصراره على ربط مشاريع وزارة الدفاع التي تنفذها شركات عالمية بالبعد الاقتصادي المنعكس على اقتصاد المملكة، حيث ألزم أكبر المشاريع مثل مشروع درع اليمامة بتخصيص جزء من تكلفة المشروع لدعم مشاريع اقتصادية صناعية أو تعليمية أو تدريبية، سواء بدعم مباشر تقني أو معرفي أو تمويلي أو بالشراكة مع مؤسسات أو شركات سعودية صناعية وتعليمية كان لها الأثر الكبير في تنمية الاقتصاد الوطني. أما دوره في دعم المقاولين السعوديين لتنفيذ مشاريع وزارة الدفاع والأجهزة التابعة لها فإحصائيات المشاريع تؤكد حجم استفادة المقاولين السعوديين من هذه المشاريع، التي كان أكبرها مشاريع الخزن الاستراتيجي، التي استفادت منها المصانع الوطنية للأسمنت والحديد وبقية مقاولي البناء.
أما في مجال التعليم الخاص فشهادة إثبات لا شك فيها بأن الأمير سلطان كان صاحب الفضل في فكرة إنشاء الجامعات والكليات الجامعية الأهلية، وهو الذي بدأ بدعم هذه الجامعات والكليات الجامعية بدعم مالي شخصي عند إنشاء كل جامعة أو كلية جامعية خاصة، وذلل لها جميع الصعاب، وشارك في افتتاح بعضها ودشن احتفالات التخرج للبعض الآخر.
في مجال الابتعاث الخارجي لن ينسى أبناء جيلي أوائل بعثات وزارة الدفاع في مختلف المجالات للولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وباكستان، فعاد المبتعثون ناقلين علمهم وخبرتهم لتطوير أجهزة وزارة الدفاع والمؤسسات التابعة لها، ولن ينسى أبناؤنا المبتعثون على حسابهم الخاص أفضال الأمير سلطان رحمه الله حين وجه بضمهم لحسابه الخاص.
أما عن دور الأمير سلطان في دعم ومساندة بعض البيوت التجارية وبعض رجال الأعمال الذين واجهوا نكسات اقتصادية في فترة من الزمن؛ فيتمثل في دعمه لهم بفتح مجالات عمل جديدة لهم، وتكليفهم بأعمال على نظام التكليف المباشر حتى استطاعوا أن يقفوا على أرجلهم مرة أخرى.
ولن ينسى شباب المملكة الراغبون في العمل والتأهل للعمل دوره في تأسيس صندوق تنمية الموارد البشرية، الذي بدأ كفكرة حتى تحول إلى صندوق لديه أكثر من عشرة آلاف مليون ريال مخصصة لدعم تدريب الشباب السعودي وتأهيله للعمل في القطاع الأهلي، ودعم شركات ومؤسسات القطاع الخاص، بتحمل نصف مرتب الشباب لفترة زمنية حتى يتم تعيينهم. أما عن دوره في دعم المشاريع التنموية فكان سموه أول المبادرين في المساهمة في تأسيس الشركات المعنية بالتعليم والصحة، ليس بغرض الاستثمار للأرباح وإنما لأن يكون قدوة يقتدي به رجال الأعمال للاستثمار في مشاريع تنموية تعليمية وصحية، حيث يلجأ العديد من رجال الأعمال إلى الابتعاد عن المشاريع التنموية ذات العوائد بعيدة المدى ويركزون على المشاريع سريعة المردود المادي.
إن بعده الاجتماعي يحتاج إلى موسوعات يدون فيها دوره في خدمة مجتمعه الإسلامي، ولم أر مشروعا خاصا لسمو الأمير سلطان إلا ورأيت بعده الاجتماعي في المجتمع الذي حوله، والشواهد عديدة، كبناء المدارس على حسابه الخاص أوالحدائق العامة أوالمساجد ودور تحفيظ القرآن، أو تحسين أحوال المنطقة من حيث الخدمات والبنية التحتية ليستفيد منها جميع أبناء المنطقة، وهذا ليس محصوراً على منطقة محددة أو مدينة ما أو دولة.
نعم إن الموت حق ولكن الفراق صعب، ويموت القادة العظماء وتبقى أعمالهم العظيمة، ويكتب التاريخ سير الرجال، ولكن سير العظماء منهم تبقى راسخة في الأذهان، ويكتب المؤرخون التاريخ بحبر أقلامهم، ونكتب تاريخ الأمير سلطان بن عبدالعزيز بماء من ذهب، متمنياً من والدنا الحبيب الأمير سلمان بن عبدالعزيز رفيق الطريق في السراء والضراء للأمير سلطان رحمه الله أن يكلف دارة الملك عبدالعزيز بكتابة سيرة الأمير سلطان موثقة بالكلمة والصورة حتى يوم دفنه رحمه الله، لتكون مرجعاً موثقاً تعود له الأجيال.