كان على الموعد دائماً، عندما احتاج الوطن إلى من يحمي أرضه وسماءه. فالجيش السعودي لم يدخل قط في عملية لم ينفذها ويتمها بنجاح. كان الجيش السعودي جاهزاً للدفاع عن حياض الوطن. أهَّلَهُ لذلك القائد الفذ والمحنك سلطان
قال له الفيصل ذات مساء تستطيع بالدبلوماسية أن تحقق أضعاف ما يمكن أن تحققه بالحرب, ولكن دون خسائر في الأرواح. كانت تلك هي الشرارة التي كونت التحول التاريخي في حياة سلطان بن عبدالعزيز. يومها صدق الفيصل - رحمه الله- كما فعل في أغلب القرارات التي اتخذها.
إخال سلطان الدبلوماسية والحنكة السياسية وجد كلمات أستاذه الفيصل نبراساً يضيء دربه، وهو ما برز في شخصيته لاحقاً. كان يتفادى دوماً الدخول في أي مهاترات أو تجاذبات أو مناوشات مادية. لم يكن من دعاة العنف، وكان يرى أن القوة تكمن في العقلانية والتعامل الهادئ مع المتغيرات.
على أنه كان على الموعد دائماً، عندما احتاج الوطن إلى من يحمي أرضه وسماءه. فالجيش السعودي لم يدخل قط في عملية لم ينفذها ويتمها بنجاح. كان الجيش السعودي جاهزاً للدفاع عن حياض الوطن. أهَّلَهُ لذلك القائد الفذ والمحنك سلطان.
اهتمامات سلطان لم تكن أبداً محدودة. كانت له اليد الطولى في إحياء الآمال في أرجاء كثيرة من العالم. عندما رأى صورة المرأة المسنة في صحراء النيجر تحفر بيوت النمل، لتأخذ منها ماخبّأته من حبوب لتأكلها مع أولادها من شدة الجوع، أمر على الفور بتشكيل فريق لدراسة وضع تلك المرأة ومعرفة ما يمكن فعله تجاهها، هي ومن في مثل حالتها. كان ذلك الموقف هو ميلاد لجنة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخاصة للإغاثة، التي أمر بتكوينها لتقديم المساعدات الإغاثية العاجلة لمتضرري المجاعة في النيجر، ثم توسعت نشاطاتها لتغطي عدة دول أفريقية، وتقدم المساعدات والبرامج الإنسانية، وترفع عن المحتاجين أحزانهم. وبعد بحث طويل عن تلك المرأة المسنة التي شاهد الأمير سلطان صورتها في التلفاز، تم الوصول إليها، وقدّم لها الفريق مساعدات كثيرة. ولم تجد المرأة بعد أن علمت أن الأمير سلطان قد كلف اللجنة للوصول إليها ومساعدتها، وأن حالتها قد أثمرت عن ميلاد مشروع إنساني كبير، يغطي النيجر وعدة دول أفريقية، سوى أن ترفع يدها إلى السماء وتدعو للأمير سلطان، ولسانها يردد الله أكبر.. الله أكبر ولم يقتصر دعم الفقيد واهتمامه ومتابعته للقضايا الإنسانية على حالة هذه المرأة، بل إن ذلك أبسط مثال لاهتمام الأمير سلطان -رحمه الله- بالقضايا والمآسي الإنسانية، ومعالجتها قدر المستطاع. عندما وجه الأمير القوات المسلحة بالمشاركة في حماية الشعب الصومالي والمساهمة في عمليات حماية المدنيين. جهز المستشفيات الميدانية ووفر فيها كل التجهيزات اللازمة لعلاج كل الحالات التي تصل إليها. دعم الأمير كل الأنشطة الخيرية في القارة، وساهم في إنقاذ الكثير من الحالات المرضية من خلال الأسطول الجوي الطائر. فالعمل الخيري لا يتوقف عند حد لدى الأمير.
آسيا كانت هي الأخرى على موعد مع الأمير. إن برامج المعونات الحكومية للدول الإسلامية أنقذت أرواح الكثير من المسلمين. التسونامي وجد الأمير الإنسان يعيد البناء وينقذ الأسر ويعالج المصابين ويفتتح المستشفيات الميدانية. هذه المستشفيات عملت في باكستان وفي أفغانستان وأغلب دول آسيا، لترعى المصابين وتعيد لهم ولأسرهم الابتسامات. مسابقة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود السنوية لحفظ القرآن والسنة النبوية لدول جنوب شرق آسيا وجمهوريات أوزبكستان، طاجيكستان، كازاخستان وقرغيزستان في آسيا الوسطى. الجمعيات الخيرية التي يمولها الأمير في المنطقة لا تحصى. إن برامج المعونات الحكومية للدول الإسلامية أنقذت أرواح الكثير من المسلمين.
العالم العربي كان مركز اهتمام الأمير فهو ينقذ المصابين ويعالج المرضى ويقدم الدعم والعون للأسر. كان المعسكر الإنساني الذي أدارته وزارة الدفاع للاجئين العراقيين مثالاً في الخدمات والصحة والتعليم والحماية لجميع اللاجئين الذين عاشوا فيه بشهادة الأمم المتحدة. لبنان لقي من العناية والرعاية الشيء الكثير، بل وكان الأمير يدفع الأموال ويبني المشافي والمساجد وينفذ من الأعمال الخيرية ما لا يمكن حصره. أبناء جمهورية مصر العربية لقوا في الأمير القلب الحنون والطبيب الراعي لمرضاهم. وجدوا فيه الممول لمشاريعهم الاجتماعية الإنسانية. يقول أحدهم عندما ذكرنا له حاجتنا لموقع يضم المسجد والمضافة والجمعية الخيرية فكأننا كنا نبشره بخبر كان يتمناه. نعم الأمير يحب الخير ويفرح به.
الابتسامة التي يتحدث عنها الجميع هنا ليست غريبة، فلم يره أحد عابساً أبداً. كذلك الحال في المغرب وتونس والجزائر وليبيا، الكل كان يجد مراده عند الأمير. فهو ملاذ المحتاجين والذي يفرح بنجدة المحتاجين.
اليمن كانت تحظى بعناية الأمير. أعطاها من وقته وجهده وماله الكثير. رأى أن السياسة السعودية الخارجية تقوم على أساس أن اليمن جزء هام من الأمن الوطني الطبيعي للمملكة. منظور الأمير جعله يحافظ على الوحدة اليمنية ويدعم كل توجه يساهم في الحفاظ عليها مهما كلف ذلك.
أما دول الخليج، فالأمير يراها جزءاً لا يتجزأ من المملكة هدفاً ومصيراً ومستقبلاً. كان الأمير سلطان يعتبر رفاهية أي دولة من هذه المنظومة رفاهية للمملكة. وأن أي مصاب يصيبها فهو مصيبة على المملكة. مع احترامه لاستقلالية الخليج دولاً، إلا أنه كان يراها شعباً واحداً لا يمكن تفريقه.
الحق أن الكل كان يعتقد أنه الأثير لدى هذا الأمير.. فالمواطن سيفقده بلا شك.. لكن العالم كله فقد الحب والابتسامة والعطاء والبذل والتسامح.. هذا ما جعل سلطان بن عبدالعزيز فقيد العالم.