جائزة الرداءة الثقافية، تعود بإخلاص حميم للأندية الثقافية والأدبية بالمدن الثلاث الكبرى، التي بات في حكم اليقين دخولها لحظة الموات 'الإكلينيكي' الميئوس منه، حيث لم يبق سوى أن يُسحب عنها 'الفيش' لتقضي إلى وجه ربها بشكلٍ رحيم
في اليوم الذي سيرتفق فيه الفائزون بجوائز مكة للتميز كؤوساً ذهبية نظير إنجازاتهم وأعمالهم المتجاوزة للعادة ثمة حاجة للكشف عن أولئك القابعين في مؤخرة الركب، ممن لم تضربهم قيم الإتقان أو يمسّهم هدير التحوّل على مدار العالم الأول.
والجوائز النقيضة، تقليد تهكمي معروف. فالضد يُظهر حسنه الضدُ. هناك جوائز الإغ نوبل (Ig Nobel Prize) الرديفة لنوبل، التي تعنى بتكريم أصحاب الاختراعات والابتكارات الأقل نفعاً للبشرية. وهناك بالطبع جوائز التوتة الذهبية (Golden Raspberry Awards) ، التي تُمنح كنقيض للأوسكار، وتوزِع في حفلها الباذخ كؤوساً رمزية مصنوعة من البلاستيك، المرشوش بطلاء ذهبي رخيص، لا يزيد تكلفة الكأس الواحد منها عن الـ4.89 دولارات (حوالي 18 ريالاً و33 هللة).
ونستفتح بجائزة الرداءة الإدارية التي تعود هذا العام لمنظومة مراكز الرعاية الصحية بالأحياء، التي تصارع التهالك والإهمال والجفاء في مدينة أفعوانية كجدة، حيث تتوارى في مجاهل الأحياء بعيداً عن الأنظار، وتعاني نقصاً فادحاً في الكوادر، والأجهزة، والدواء، والخدمات. ناهيك عن تردد القائمين عليها عن تلبية حاجات المدينة التي تحتاج إلى ما لا يقل عن المئة مركز نموذجي، مقابل الـ 42 مركزا متقشفا، الموجودة حالياً.
وهي لقطار الحرمين، الذي باتت تتقاذف مسؤولياته ودواعي التأخر في إنجازه عدة جهات حكومية مفصلية بشكل يدعو إلى الشفقة والحدب على منظومتنا الإدارية برمتها.. وبعد دراسة استغرقت سنوات، تخللها مراسلات وتنسيق بين الجهات، اعترضت جهات الأمانة وإدارة المرور، على مسار تنفيذه، كونه سيزيل عدداً من منشآت البنية التحتية، ويُعطّل من انسيابية المرور!
وهي أيضاً، لثمانية من مديري التعليم بمنطقة مكة الذين طالبوا في عبقرية شديدة بمنحهم حصانة إعلامية، وحمايتهم من النقد، على إثر دعوة رفعتها إحدى منسوبات إدارة تعليم على مديرها باتهامه بإرسال رسائل هاتفية على جوالها.
وهي لهيثم زكاني مدير العلاقات العامة بجامعة الملك عبدالعزيز، الذي طرد مدير تحرير صحيفة عكاظ، هادي الفقيه الذي حضر حفل الخريجين السنوي للجامعة مُكلّفاً نيابة عن رئيس التحرير.. طرده أمام حشدٍ غفير، دون أدنى لياقة أو انصياع لأي بروتوكول إداري بديهي.
وجائزة الرداءة الاقتصادية، تذهب إلى عضو الغرفة التجارية بجدة، بسام أخضر.. الذي يحملُ هموم التجارة ويصاول ملفاتها العالقة، بطريقة إدارة الزوايا والتكايا وتحديّات أهل الحسبة في أسواق بغداد عام 500 للهجرة! إن الانتخابات الأخيرة كشفت حتماً عمن هو مسكونٌ بسوء ظن فظيع، كما يبدو من نشاطه المُكثّف نحو كبح الاختلاط داخل دوائر المؤسسة، وفعالياتها، ومنها ما قام به إبان جهود التطوّع لمنكوبي السيول داخل مركز المعارض، بينما هو لا يكاد يتورع من حضور محاضر مجلس الإدارة والزيارات السوبر التي ترافقها الفلاشات، برفقة باقي زميلاته بالمجلس، لربما لكون الأخير يأتي من طبيعة الاختلاط العارض!
وجائزة الرداءة الثقافية، تعود بإخلاص حميم للأندية الثقافية والأدبية بالمدن الثلاث الكبرى، التي بات في حكم اليقين دخولها لحظة الموات الإكلينيكي الميئوس منه، حيث لم يبق سوى أن يُسحب عنها الفيش لتقضي إلى وجه ربها بشكلٍ رحيم! فهي باتت تعمل خارج المرحلة ومنطلقاتها، حتى لقد بزّتها كافة الفعاليات الثقافية الأهلية والشبابية الموازية في روحها وجوهريتها وديناميتها الفاعلة، تاركة للأندية، الرسميات واحتفالات البشوت وتضخم ذات المسؤولين عليها، فهي وصلت في مركزيتها إلى حد ترشيحها لنفسها ضداً على كل مبادرات ومنجزات المثقفين، ما دعا اللجنة العامة لجوائز التميز لحجب الجائزة تماماً!
وهي أيضاً، للروائي عبده خال الذي لم يترك دعوة فاخرة أو جماهيرية إلا ولبّاها، من إثنينيّات التُجّار الى مآدب المُطربين، ولكن حين دعاه مجموعة من الشباب المخلصين لإبداعه الروائي، في إيوانهم الثقافي البسيط، تخلف عن موعده بكل إهمال، كاسباً أكثر من خمسين ساخطا!
وهي للخطوط السعودية، التي كبّت، بدم بارد، محتويات مكتبتها العامة بجدة، وفيها كنوز ثمينة للرواد، إلى ساحة الحراج.
أما جائزة الرداءة الاجتماعية، فهي بجدارة لدار رعاية الفتيات بمكة، ومديرتها حسنية هوساوي، التي انقدحت شرارة الالتفات إلى مآسيها مع أحداث الشغب الأخيرة، احتجاجاً على سياسة القمع التي كانت تُمارَس ضد النزيلات، بحسب تقرير جمعية حقوق الإنسان وتقرير اللجنة العليا المكلفة بالتحقيق، من ضرب وسوء تغذية ورعاية صحية ونفسية، وحجز انفرادي متعسف، وبطء في إطلاق سراح المنتهية فتراتهن، وفقدان لأبسط شروط الحياة الكريمة.
وجائزة الرداءة العمرانية، هي لكل القابعين خلف مقاعد جلسات الادعاء العام، والرقابة والتحقيق، يمثلون جهات الأمانة، مصلحة المياه والصرف الصحي، كتابة العدل، والقطاع الخاص، ويجري استجوابهم نظير الكوارث –العمرانية والحضرية- التي ارتكبوها في حق مخططات شرق الخط السريع، ومشاريع البنى التحتية في محيط مدينة جدة.
أما جائزة الرداءة البيئية، فهي بكل جدارة لمصنع تدوير المخلفات الطبية بحي السامر، التابع للشركة السعودية الخليجية لحماية البيئة، التي يحمل المهندس عادل باديب منصب عضوها المنتدب.. فهو خلافاً لتشييده وسط أحياء شرق طريق الحرمين في جدة، انكشف على مخالفات صريحة في الالتزام بالمعايير والاشتراطات البيئية الواجب اتخاذها من حرائق الضواغط الذاتية والحد من ارتفاع غاز الميثان، حتى بات وجوده أشبه بقنبلة تلوث تهدد سكان الأحياء المجاورة بالأمراض الوبائية والسرطانية.
أما جائزة الرداءة العلمية، فتذهب إلى جامعة أم القرى، والدكتور عبدالعزيز سروجي عميد شؤون الطلاب، فيما يخص سكن (ج) للطالبات، المغلقة شبابيكه بأسيجة عفّة حديدية، إنما تُغرز في خصر منظومتنا التربوية والأخلاقية الراهنة.. ناهيك عما رصده وفد جمعية حقوق الإنسان الذي زار السكن في 24 مايو 2010، من مخالفات صارخة تنازعت حدتها من تردي الوضع الصحي، والاجتماعي، والنفسي داخل السكن. حيث تقطن 261 طالبة في 47 غرفة أو عنبر! (أي خمس إلى ست طالبات في كل غرفة)، حيث أشدّ الثكنات العسكرية تتمتع بأوضاع ومزايا أفضل وأكثر مرونة!
وهي لإدارة تعليم الطائف، التي استجوبت المعلمة الغلبانة، بعد أن سألت المفتي سؤالاً عن مدى أحقيتها بالراتب الذي يحوّل إليها بالرغم من عدم تكليفها بأي عمل، فبدلاً من أن تبادر الإدارة إلى تصحيح وضعها، قامت بوضعها تحت طائلة التحقيق!
هكذا على الفائزين/الخاسرين، الاتصال ببريدي الإلكتروني للاختيار بين استلام جوائزهم الرمزية، أو استبدالها بـ 18 ريالا و33 هللة.. مع ضرورة ارتفاق فكّة!