من نعم الله على المسلمين أن قيادة هذا البلد بيد ثلة مؤمنة حكمت بروح الإسلام وجوهر الشريعة، دون نقص أو زيادة، وعلى هدى من الأئمة الذين كان لهم الفضل في إبقاء الإسلام على صفائه ونقائه
قلت وما زلت أقول إن المملكة العربية السعودية المباركة تحتل مكانة استراتيجية في العالم، وتعتبر بالنسبة للشعوب الإسلامية بمثابة الرأس للجسم، فإذا ضـاع الرأس ـ لا سمح الله ـ فلن يبقى للجسم الميت أي معنى، وهي القلب النابض للأمة الإسلامية، فمن خلال دقاته تشرئب لها أعناق المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
لم ولن يحظى بلد بعناية الله وحفظه مثل ما حظيت به منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، يكفي أنه سبحانه قد دافع عنها بذاته العلية وأمنها من الخوف: (.. فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) وصانها من الأخطار والهجمات الخارجية، وحفظها من الجيوش الغازية، جيش أبرهة الحبشي وجيوش الروم والفرس وطهرها من رجس الكفار والمشركين وأوثانهم، وعلى أرضها ولد خير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال فيها: إن الشيطان قد أيس أن يعبد في جزيرة العرب، فلم ينشأ فيها دين غير دين التوحيد، ولم يتخذ فيها غير الله إلها واحدا جل في علاه، فما ظهرت فيها الزرادشتية ولا القاديانية ولا أطلت فيها المجوسية بنارها غيرالمقدسة، ولا ظهر فيها يوما من يعبد الأشجار والأبقار، بل كانت وما زالت مصدرا يشع منه الهدى والإيمان.
لم ولن يبلغ أي بلد معشار ما بلغه هذا البلد الآمن من رفعة وعلو مكانة بين بلدان العالم قديما وحديثا، كل هجمة خائنة عليه ارتدت على أصحابها خاسئة ولو بعد حين، اجتاح المغول العالم كله بجيوشهم الجرارة وعملوا فيه القتل والدمار، وعاثوا فيه الفساد، ولكنهم لم يستطيعوا أن يقتربوا من أسوار الحرمين المنيعة، ومنعوا من الدخول إليها بقوة الله العلية: (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لايبصرون)، واحتلت قوات المستعمرين الغربيين العالم الإسلامي وقسموها شذر مذر، ضمن مؤامرة سايكس ـ بيكو الشهيرة، ولكنها لم تمس المملكة بسوء، ولما هم البرتغاليون أن يحتلوا الحرمين الشريفين بحدود عام 1515، بعث الله عبدا من عباده الصالحين القائد المملوكي الكردي الأمير حسين الكردي ليصدهم ويمرغ أنوفهم في وحل الهزيمة، وكذلك لم تستطع الحملات الصليبية المتتالية الشرسة ـ استغرقت 180 عاما ـ على البلدان الإسلامية أن تنال من قدسيتها قيد أنملة، بل ظلت شامخة على مدى القرون، تتحدى الأعداء والحاقدين، وتنشر الهدى والسلام للعالم أجمع، وحتى عند استشهاد الحسين بن علي لم يشأ الله سبحانه أن يهراق دم سبط رسوله في أرض الطهر والرسالة ويتحمل أهلها وزر مقتله، بل أخذه بعيدا إلى أراض أخرى ليقتل هناك بالصورة البشعة التي قتل فيها، على الرغم من توسل كبار أصحاب رسول الله إليه بعدم الخروج، ولكنه أبى إلا أن يخرج، وذبح هناك، وكأنه رضي الله عنه كان يعرف أنه مقتول لا محالة، فأراد أن يلقى حتفه بعيدا عن الديار المقدسة، فقتل في أرض كر وبلاء، المشكاة التي ما زال يشع منها الخراب والفتن إلى الجيران والعالم.
ومن نعم الله الكبيرة على هذا البيت والمسلمين أن قيادة هذا البلد بيد ثلة مؤمنة حكمت بروح الإسلام وجوهر الشريعة التي نزلت على محمد بن عبدالله، دون نقص أو زيادة، وعلى هدى من الأئمة الأطهار الذين كان لهم الفضل في إبقاء الإسلام على صفائه ونقائه وتمام كماله، فقاوموا البدع وحاربوا الضلال، ودافعوا عن الإسلام الصحيح، فلولاهم لاقتصر الإسلام على بعض الطقوس التعبدية الضيقة، وأصبح دينا لاهوتيا غارقا في أفكار ميتافيزيقية فلسفية جامدة لا يمت إلى عالم الحقيقة بشيء، مجرد دين جاء لإشباع رغبات باطنية دفينة لجماعة من الناس، كالبوذية أو الكونفوشيوسية أو أي دين آخر يهتم بفلسفة العبادة المجردة، فالأمة الإسلامية بأجمعها تدين لهم بالعرفان إلى يوم القيامة، تصور ماذا كان يمكن أن يكون عليه حال المسلمين لو أن الله لم يقيض للحرمين الشريفين رجـالا شدادا مؤمنين مثل أمـراء آل سعود، وأن أهل البدع والضلال هم الذين كانوا يتولون أمورهما، بالتأكيد لكان الجهل قد طبق الآفاق، وانتشرت البدع، وتحولت باحتـهما إلى سمعخانات ـ كلمة تركية تعني مكانا لسماع الأناشيد الدينية ـ وتكايا لممارسة الدروشة وضرب الأجساد بالأسياخ والسكاكين، ولعلت في أرجائهما أصوات النواح وأغاني الرادودات والحفلات الصاخبة التي يعتبرونها من العبادات، ولتحولت شعائر الحج إلى مهرجان للتطبير واللطم والبكاء.. ولكن بحمد الله لم يحدث هذا، ولن يحدث، لأن الله سبحانه وضع أمانته بأيد أمينة وقوية، قادرة على حفظ الأمانة، وهو العليم الخبير.
كلمة أخيرة..
أهل السنة والجماعة يمجدون جوهر الرسالة وفكرها السامي أكثر من تمجيدهم للشخصيات التي حملت الرسالة، واهتمامهم بشؤون الأحياء يفوق اهتمامهم بشؤون الأموات، بخلاف غيرهم الذين يمجدون القبور والمراقد ويعتبرون الأموات جزءا متأصلا في الإسلام، بغيرهم يفقد الإسلام أهم أركانه الأساسية.