أصبح شبابنا خاصة الذين هم على أبواب المراهقة عرضة لهجوم ثقافي وفكري يدك أرواحهم، ويهز معتقداتهم ويشوش تفكيرهم، ونحن نضرب أجراس الإنذار ولكننا لا نتحرك!

عندما تهدد سيادة دولة من قبل كائن من كان، يجب أن تضرب الدولة بيد من حديد، فهي تتحمل مسؤولية أمن وأمان شعب بأكمله ولن تفرط بحق شعبها عليها، وإن كان التحريض قد جاء من الخارج فالدولة قادرة بإذن الله على التعامل مع هذه التحريضات بما يتناسب معها من إجراءات سياسية في الخارج وأمنية في الداخل، ولكن السؤال هنا: كيف استطاعت هذه التحريضات أن تؤثر على مجموعة من الشباب دون غيرهم؟
السبب وللأسف أن المحرضين في الخارج وجدوا ثغرة نفذوا منها إليهم، قد يتساءل البعض وما هي؟ أجيبكم، أننا كمثقفين وكتربويين لم نصل إليهم، لم نتواصل معهم كما يجب، لم ندربهم على التفكير الصحيح بحيث يستطيعون أن يميزوا بين الصالح والطالح، فهناك من يعتبرونهم معلمين ومرشدين سواء من الداخل أو الخارج يدسون لهم السم في العسل، سواء كان التواصل معهم شخصيا أو من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، ولانعدام التمييز عندهم أصبحوا لعبة سهلة بين أيدي من يريد أن يستخدمهم لضرب الدولة من الداخل، وإلا كيف نفسر حملهم للسلاح والهجوم على رجال الأمن؟ ألم يفكروا بأنهم سوف يتسببون بقتل أنفس حرم الله قتلها إلا في تطبيق حد من حدود الله، ألم يفكروا بأنهم قد يتسببون في يتم أطفال وحرقة قلب أب وأم وزوجة؟!
أصبح شبابنا خاصة الذين هم على أبواب المراهقة عرضة لهجوم ثقافي وفكري يدك أرواحهم، ويهز معتقداتهم ويشوش تفكيرهم، الماء يجري من تحتنا بل من خلالنا ونحن نضرب أجراس الإنذار ولكن للأسف لا نتحرك!
كم مقالة كتبت عن مخاطر الإعلام بجميع أوجهه؟
كم دراسة قام بها أكاديميون ومختصون ينبهون من مخاطر ما يقدم على التلفاز وعلى النت وحتى من أجهزة الهاتف النقال؟
كم ورشة عمل؟ كم مؤتمرا أقيم لدراسة هذه الظواهر وتوعية المجتمع المحلي والإسلامي بذلك؟
للأسف على ما يبدو أننا كمثقفين وأكاديميين تركنا الأمر برمته على عاتق الدولة ونسينا أننا جزء من هذه الدولة، وعلينا مسؤوليات أيضا في المواجهة ومعالجة الأمر قبل أن يتفاقم، ويبدأ بعضنا بالصراخ وإطلاق التصنيفات والشتائم، بل وتوجيه أصابع الاتهام إلى جزء معين من نسيج هذا الوطن الغالي، متناسين أن الوطن هم ونحن، الوطن ما نشكله نحن من فكر وعمل وبناء، بأيدينا وبمساعدة الدولة.
ليتوقف كل منا ويسأل نفسه ماذا فعلت حيال هجوم كل هذا الكم الهائل من أخبار الفوضى التي تعم البلدان العربية، مشاهد القتل والدمار والتنكيل، هل شاركت أبناءك في الحوار ونبهتهم إلى التفريق بين ماهو حقيقي وما هو مفبرك، هل ناقشت معهم خصوصية وجغرافية وتاريخ كل بلد من البلدان التي تعرض الأحداث فيها؟ هل تركتهم يتبادلون مقاطع اليوتوب التي تصور مشاهد مقززة وأحيانا محرضة، تهاجم مشاعر المشاهد فلا يتوقف ليتأكد أو يلاحظ أمورا صغيرة في المقطع تفضح زيفه؟
هذا من جهة ومن جهة أخرى، هل تواصلت مع المدرسة وجلست إلى هيئة التعليم تتحاور معهم لتفهم توجهاتهم أو على الأقل تطمئن إلى من بيده يتم تشكيل وبناء عقول أهم ما تملك؟
هل تابعتهم في الأندية؟ هل تعرفت إلى أصدقائهم العاديين قبل المقربين؟ هل ناقشت معهم كتابا قرأته ينمي الوعي؟ هل قرأت أنت أي كتاب؟ لا أظن أن الكثير منا قد فعل، ولكن إن سألت ماذا تريد من الدولة: يا سلام جات والله جابها، نخرج القوائم من الجيوب ونبدأ ولا ننتهي! ليس بيد الدولة عصا سحرية، وليس عندي الحل الأمثل، لأنه وبكل بساطة عند الجميع وليس عند فرد واحد فقط، كيف نتوصل إليه، حين نعرف أن التقصير بدأ من عندنا؟ حين نبدأ بالتواصل مع الجميع للبحث عن كيفية حماية أبنائنا ووطنا، حين نُفعل هذا الجزء الذي خاطبه الرحمن مرة بعد مرة في القرآن الكريم، حين نصبح قلبا واحدا ويدا واحدة، حين تصبح الوطينة عندنا كما قال الأمير نواف بن فيصل بن فهد خلال ندوته في الجامعة الإسلامية يوم السبت الماضي: الوطنية ليست حمل علم في مباراة، أو ترديد النشيد الوطني في المدارس كل يوم، أو حتى اليوم الوطني، الوطنية سلوك وطني بتحمل المسؤولية على مدار العام، سلوك يعكس ديننا وقيمنا وثقافتنا ليس فقط في الداخل بل في الخارج أيضا.
فإن قمنا بذلك كأفراد ومجتمع فلن يتجرأ أحد على بلدنا، لأنه لن يجد رجالنا البواسل في وجهه فقط بل سيجد أمامه شعبا مؤمنا واعيا، شعبا متكاتفا ومثقفا يقف له بالمرصاد.