أخطأ المنفذون عندما سلموا زمام 'حافز' لشركات تطالب المتقدم أو المتقدمة بالعمل سبعة أيام في الأسبوع، كما أخطأوا عندما وضعوا المؤهلات والتعليم والتدريب جانباً باعتبار أن على الجميع أن يقبلوا الوظائف التي تعرض عليهم
يقول العرب إن آفة الأخبار هم رواتها، بسبب أسلوب النقل أو ما يضيفه كل راوٍ إلى القصة. التعديل والزيادة و التضخيم و التهميش قد تصبح مدعاة للسخرية إذا تجاوزت حدها. لكنها تكون مخيفة إذا أُسِّست عليها قرارات أو أحكام تضر البشر. هذا كله يعرفه الجميع، بل أكاد أجزم أن كل من يقرأ يستطيع أن يستحضر أكثر من عشر قصص تحولت فيها الحبة إلى قبة بسبب الرواة.
إذا كان آفة الأخبار هم الرواة، فإن آفة القرارات هم المنفذون. الجهاز التنفيذي هو المعني بوضع الأوامر موضع التنفيذ. تنفيذ القرار بالطريقة الصحيحة يتطلب مجموعة من الشروط أهمها ما يلي:
- فهم القرار: من المهم أن يفهم واضع اللائحة والمنفذون القرار، بحيث يطبقونه كما أراد متخذ القرار. لكل قرار قصد معين، وهو ما يعرف بـ قصد القائد أو المقرِّر. فكون المسؤول يقصد من القرار التعاطف مع فئة معينة، يختلف عن أن يقصد مرمطة هذه الفئة.
- إدراك المخاطر التي يمكن أن تنتج عن عدم التنفيذ، أو التنفيذ بطريقة غير صحيحة. قبل أن يصدر القرار لا يكون له عادة أثر لأنه غير موجود في الأصل، فهو قد يكون مطلباً، لكنه إذا صدر يصبح التزاماً.
- معرفة الفئات التي تتأثر من القرار وحجمها و ردود فعلها وتوقعاتها.
ما ذكرته هنا ليس مجرد فلسفة للقرار، أو محاولة لإثبات خطأ الأجهزة التنفيذية لدينا في مواقع كثيرة، و إنما أهدف للتعريف بأمور قد لا يلتفت إليها الجهاز التنفيذي بسبب تركيزه على البيروقراطية، وعدم اهتمام الرؤساء في هذا الجهاز بخلق روح المسؤولية لدى الفئات الأدنى في السلم الوظيفي. كما أنه مطالب بأن يكون هناك إعداد تدريبي للمسؤولين في مجالات الأمن الوطني قبل أن يتحملوا مسؤوليات ترتبط بتنفيذ قرارات ذات أهمية اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية. هذا التأهيل مطلوب في كل دول العالم لمن سيعينون في مناصب الإدارة العامة أو وكالة الوزارة وأعلى.
قدمت بهذه المقدمة لموضوع اليوم، على أمل أن يتفهم المسؤولون في مبادرة حافز أهمية مواقعهم، و دورهم الرئيس في تنفيذ قرار خادم الحرمين الشريفين الذي يعطي العاطلين عن العمل بدل بطالة ما داموا مستعدين للعمل و لم تتوفر لهم الوظائف. التعامل مع البطالة من أهم أولويات كل دول العالم. الواقع أن السياسة الداخلية لكل دول العالم تعتمد بالدرجة الأولى على توفير مصدر رزق كريم للمواطن، يثبت صرف بدل للعاطلين عن العمل مسؤولية الاقتصاد عن توفير الوظائف الملائمة والكريمة للمواطن كل حسب مؤهله.
المؤهل هو أول عناصر معادلة التخلص من البطالة، المؤهل الجامعي له وظائف تختلف عن المؤهل الثانوي، وهو بهذا يلزم الجهة المنفذة بأن تعرض على الحاصل على هذا المؤهل وظائف تلائم تأهيله. فليس من المعقول أن تعرض على الجامعي في مجال التاريخ مثلاً وظيفة حراسات أو سكرتارية، وإذا رفضها تعتبره رافضاً للعمل.
العناصر الأخرى تشمل المهارات التي يكتسبها المتقدمون للوظائف في مجالات مثل الحاسب الآلي واللغات، بحكم المؤهل والمهارات إضافة للخبرة التي يملكها المتقدم للعمل نوعية الوظائف التي يجب أن تعرض على المتقدم للتوظيف.
يجب ألا يكون هناك مواطن بانتظار التوظيف في تخصص يشغله أجنبي. لا يمكن أن يصدق أو يتقبل أحد أن تنعدم الشواغر في المجال الصحي برمته. أي شخص يدخل أي مستشفى أو مركز صحي سيشاهد الأجانب يسرحون ويمرحون و يعملون في كل الوظائف حتى وظائف الاستقبال. المسؤولية الوطنية للقطاع الخاص لا تقل عن المسؤولية الوطنية للقطاع العام. عندما نشاهد مستشفياتنا الحكومية تحت هذا الضغط المخيف من انعدام السعودة؛ فليس للقطاع الخاص أن يستخدم ذلك ذريعة لعدم توظيف المواطن. هذا في حالة الوظائف الصحية وهي الأكثر بروزاً، وهو يعني أنه لا يمكن أن نقبل بوجود عاطلين في الوظائف الهندسية ووظائف المحاسبة ووظائف الإدارة والتعليم، مادام هناك أجانب يعملون فيها.
تنفيذ أمر خادم الحرمين الشريفين بصرف بدل بطالة للمواطنين الباحثين عن العمل يتطلب أن تعرض على الباحثين عن العمل فرص وظيفية لإثبات جديتهم. لكن إلزام كل المتقدمين بأن يقبلوا بوظيفة راتبها هو الحد الأدنى من الأجور، بغض النظر عن المؤهلات، ممارسة خاطئة. لهؤلاء نقول إن الحد الأدنى للأجور هو للوظائف التي لا تتطلب أي مهارات ذهنية أو بدنية. هي غالباً للوظائف التي تعتمد على مجهود جسدي لا علاقة له بالتخصص أو التعليم، أو استخدام مهارات يكتسبها الشخص من خلال التدريب.
أخطأ المنفذون عندما سلموا زمام حافز لشركات تطالب المتقدم أو المتقدمة بالعمل سبعة أيام في الأسبوع، و إجازة يمكن أن يحصل عليها بناء على رغبة الشركة و ليس اعتماداً على نظام معين، وهذا يخالف كل أنظمة العمل العالمية.
كما جانبهم الصواب عندما وضعوا المؤهلات و التعليم والتدريب جانباً و اعتبروا الجميع عمالاً عاديين يجب أن يقبلوا الوظائف التي تعرض عليهم، بغض النظر عن ملاءمتها أو ساعات عملها أو ظروف العمل فيها. اشترطت إحدى الشركات على المتقدمات أن يعملن لفترة من السابعة إلى الثالثة ظهراً، و بعد مدة معينة يتم تحويلهن للعمل ليبدأ من الثالثة إلى الحادية عشرة مساءً، ومن ثم يتم تعيين المجموعة الصامتة التي تعمل دون تذمر.
هنا أقول وبالفم المليان هذا ليس قصد خادم الحرمين الشريفين. فهو قصد أن يحفز المواطن للعمل الذي يلائم إمكاناته، لا الذي يثبطه.