.. وعلى الجانب الآخر، الجانب المقابل للمسؤول والقيادي والإداري والقاضي والإعلامي الذين تحدثنا عنهم في المقالة السابقة، وقلنا إنهم فرحون ومغرورون بسنوات الخبرة الطويلة التي أمضوها في العمل وهم من حيث لا يعلمون كانوا علة وعالة على الوطن والمواطنين، إذ خلت سنوات عملهم من أي مبادرات ملفتة أو تغييرات ظاهرة تساهم في التحديث والتطوير وتنهي معاناة الناس وشكاويهم وتحقق آمالهم وطموحاتهم وترفع من مستوى معيشتهم.
هناك في الجانب المقابل مواطنون عددهم ليس بقليل يعيشون دائما حالة تذمر من كل شيء، هم متذمرون من عمل الحكومة ومن الوزراء والضباط والقضاة والمدرسين والإداريين وحتى من الصحفيين، لكنهم هم أيضا من حيث لا يعلمون مثلهم.
عندما تحاصرهم بحقيقة أنهم غير فاعلين وغير مبدعين وتمر السنوات عليهم دون أن يضيفوا جديدا لمجتمعهم، ولوطنهم، يعاجلونك بعبارات صادمة على وزن الشق واسع، ويد واحدة لا تصفق، والطاسة ضايعة، وما فيه أمل، ولا تتعب نفسك ما فيه فايدة.
هم سلبيون إلى درجة أنهم يحاولون تبرير تقصيرهم عبر إلقاء اللوم على الآخرين أو إدخال اليأس إليهم من خلال تلك العبارات.
هم ينشدون التغيير والتطوير دون أن يكون لهم دور في ذلك، لا في محيط أسرهم وأقاربهم وأصدقائهم، ولا في مواقع أعمالهم رغم أن بعضهم يتولى مهام مؤثرة وفاعلة مثل المعلم وأستاذ الجامعة وإمام المسجد والإعلامي، بل حتى النجم الرياضي الذي يشاهده ويسمع له ملايين الناس.
يريدون التغيير ويطالبون بالعدل والمساواة وتطبيق النظام والرفع من مستوى المعيشة والمشاركة في صنع القرار، لكنهم يشككون في كل شيء، ولا يحسنون الظن بأي شيء ولا يساهمون في تقديم أي شيء ويطالبون بعد ذلك بكل شيء!!
عندي قناعة أن هذه الحالة غير السوية تؤخرنا كثيرا ولا تساهم في اختصار السنوات التي بعدها ينبغي أن نكون في وضع أحسن مما نحن عليه الآن.
فكل هؤلاء عندما يغيب الانضباط وحسن الأداء من مواقع أعمالهم باختلاف أنواعها وأماكنها ومستويات تأثيرها هم يساهمون في حالة عدم الرضا أو الوضع غير المقبول الذي يشتكون منه، وبالتالي لا يحق لهم التذمر والشكوى مما آل إليه وضع هم ساهموا في صناعته وتعزيزه وترسيخه.
ما أريد قوله أنه لو أدى كل المتذمرين أعمالهم وفق ما يتمنون من الآخرين أن يقدموه لهم حينما يكونون في موقع المحتاجين للخدمة، أيا كان نوعها، لا المقدمين لها؛ لاختصرنا في هذا الجانب زمنا ليس بقليل نحو التغيير، فما بالنا لو عمل الكل أو الأغلبية بهذا المنهج في كل مناحي الحياة.. في المنزل مع الزوجة والأبناء والخدم والسائقين وفي الشارع مع العمالة والبائعين وإشارات المرور وخطوط المشاة وبراميل القمامة وفي العمل مع الآلات والبشر والزمن؟.
في ظني الطاسة يمكن تحديد مكانها، والشق يمكن تضييقه واليد الواحدة يمكن أن تصفق يوم أن نراهن على ما نقدم وما ننتج وما يحسب لنا إضافة بعيدا عن عبارات الإحباط والتبرير والهروب.
والله تعالى يقول إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ.