اضطراب هرموني تصاحبه تغيرات نفسية واجتماعية
يعاني عدد من الأمهات حديثات العهد بالأمومة من أعراض مختلفة تصيبهن بعد ولادة طفلهن الأول، حيث تشعر الأم بعدم الإقبال على الحياة، وباختلاف نظامها الحياتي مع ولادة الطفل الجديد، فيما قد لا تعلم الكثيرات منهن أن تلك المشاعر نتيجة لاضطراب هرموني يتسبب في الشعور بما يسمى اكتئاب ما بعد الولادة، وقد يساهم عدم تفهم المصابة أو الزوج لهذه الحالة في الكثير من المشاكل التي قد تصل إلى حدود الطلاق.
تقول نهى سليمان إنها تعرضت بعد فترة ولادتها لطفلها الأول لمشاعر سلبية متعددة، انتهت برغبتها في المكوث في منزل أهلها، وعدم العودة إلى منزلها، بالإضافة إلى نوبات بكاء وقلق ووساوس تنتابها دوما، واستطاعت التغلب على هذه الحالة باستشارة طبيبة نفسية وصفت لها أحد مضادات الاكتئاب حتى خفت تلك الأعراض عنها. ويقول علي الغامدي إن زوجته بعد ولادة كل طفل تمر بمرحلة نفسية صعبة، لم يكن يعرف تفسيرها إلا بعد أن قرأ عما يسمى باكتئاب ما بعد الولادة، فهي تشعر بالنقص الشديد في نفسها، وبخوف مبالغ فيه على أطفالها في تلك الفترة، وما تلبث هذه الحالة أن تختفي بمجرد مرور شهر إلى شهرين على الولادة.
ومن جانبه يقول استشاري الطب النفسي الإكلينيكي بالرياض الدكتور وليد الزهراني تبدأ هذه الحالة أحيانا في اليوم الثالث بعد الولادة، ويمكن أن تستمر من 10 إلى 14 يوما. وتمتاز هذه الفترة بالبكاء دون سبب والشعور بالضيق والحزن والإحباط، فيما تصيب كآبة ما بعد الولادة النساء عشوائياً، ولا ترتبط بشخصية الأم، مبينا أن كل النساء يمكن أن يصبن بهذه الحالة الشائعة، ولا تعرف الكثيرات أن المساعدة متوفرة لهن.
وعن السبب المحتمل لكآبة الأم بيّن الدكتور الزهراني أن الهبوط السريع في مستويات البروجسترونِ الذي يحدث في جسمِ كل امرأةِ بعد الوِلادة هو السبب، حيث ينخفض مستوى البروجسترون من 40 مرة كحده الأعلى أثناء الدورة الحيضية المنتظمة إلى مستوى منخفض لا يكاد يظهر في فحص الدم، وهذا التغييرِ المثير يمكن أن يسبب تأثيرا كبيرا على عواطف الأم الجديدة.
وأضاف أن من 50% ـ 80% من الأمهات الجديدات سواء اللواتي أنجبن طفلهن الأول أَو العاشر يعانين من الكآبة المصاحبة للولادة، وبالرغم من أنها من الأعراض المزعجة، إلا أن كآبة ما بعد الولادة تختفي وحدها من خلال تجربة معظم النساء مع دعم العائلة والأصدقاء.
وقال الدكتور الزهرانيإذا كانت المرأة تعاني من هذه الكآبة، فمن المهم أن تشعر بدعم المحيطين بها، ويجب أن تتلقى الرعاية هي وطفلها الرضيع، والتأكيد على أن هذا الوقت الصعب سيمر، وبأنها محبوبة ومحط رعاية واهتمام الآخرين، مما سيزيد من مشاعر الطمأنينة والراحة.
وعن العوامل التي تساهم في جعل الكآبة أسوأ، لفت إلى مشكلة قلة النومِ التي تعاني منها تقريبا كل الأمهات الجديدات، لذا فمن الضروري أن تحصل الأم على قسط وافر من الراحة، والنوم الكافي. إذا كانتِ تشعر بالتعب فقد لا تتذكر تناول الطعام، وبذلك تتعرض لفترات من تراجع مستويات السكر في الدم، الأمر الذي يسبب معاناة.
وعن أعراض اكتئاب ما بعد الولادة قال الدكتور الزهراني إن منها الأعراض الحادة، حيث تواجه 10 إلى 15 % من الأمهات الجديدات أعراضا مختلفة من الكآبة التي تتطور لتصبح كآبة شديدة من صعوبة اتخاذ القرارات، والشعور بالنقص والخوف من الوحدة، وتخيلات عن الكوارث والحوادث، والشعور بعدم الرغبة في الطفل، والرغبة بهجر العائلة، ونوبات من الرعب والخوف والقلق، والإحساس بعدم السيطرة، وعدم الاهتمام بالنشاطات التي كانت ممتعة في السابق، ومشاكل النوم والكوابيس. وأضاف أن المستوى الأعمقِ لكآبة ما بعد الولادة يبدأ عادة ضمن الأسابيع الستة الأولى إلى الثمانية التي تلي الولادة، لكنها قَد تَظهر في أي وقت من السنة الأولى، وإذا ظهرت الأعراض التالية بعد شهرينِ من الولادة، فقد تتسلل إلى المرأة مشاعر الكآبة، وقد لا تعرف المشكلة حتى تمر بالأعراضِ الحادة.
وأوضح الدكتور الزهراني أن أعدادا قليلة من الأمهات الجدد، يواجهن أعراضا حادّةَ جداً في الأيام القليلة الأولى بعد الولادة، التي تتحول إلى اختلال عصبي، وفي هذه الحالات النادرة تفقد الأم إحساسها بالحقيقة، وتصاب بالأوهام أو الهلوسة الحادة، وقد تصبح خطراً على نفسها، أو الطفل الرضيع. ومن المهم أن تتلقى أي أم جديدة تعاني من هذه الأعراض مساعدة طبية فوراً.
وعن النصائح التي يقدمها للمرأة قال احصلي على الراحة، واهتمي بنفسك، وبالطفل، واطلبي مساعدة الآخرين للاهتمام بك، وبالمنزل, وإعداد الطعام، والغسيل، والاهتمام بالأطفال الآخرين في المنزل أو الحيوانات الأليفة، وقومي بإرضاع الطفل من الثدي، فهذه طريقة رائعة لرفع مستويات البرولاكتين (هرمون مهدئ) في الجسم، وبينما يؤخر الإرضاع الطبيعي من إنتاج هرموني البروجسترون والاستروجين، مع عودة الدورة الشهرية. يزيل البرولاكتين مشاعر الكآبة، ويسهل عملية الارتباط العاطفي مع الطفل، وتجنبي التقيد بجدول إلزامي للعناية بالطفل، وتناولي وجبات غذائية متوازنة خلال النهار، وابتعدي عن التدخين، والكحول، والكافيين، وتناولي كميات صغيرة من الكربوهيدرات المعقدة (النشويات)، مثل الخبز، والمعكرونة، والذرة المقرمشة، والبطاطا. وابدئي بتناول هذه الكميات الصغيرة بعد نصف ساعة من المشي أو بعد ساعتين من الاستيقاظ.
وأضاف أن على الأم ألا تعزل نفسها، ومشاعرها عن الآخرين، وخصوصا الطبيب، إذا كانت تشعر بأنها غير طبيعية، ومن المفيد الانضمام إلى مجموعات من الأمهات الجدد في المنطقة، أو الأقارب، وتبادل الخبرات والأحاديث عن المشاعر المتضاربة عن تجربة الولادة، مع الاستفادة لأقصى الحدود من الوقت الذي تقضيه بمفردها، في الاسترخاء، والاستجمام، والراحة.