يستطيع الديوان العام للمراقبة القيام بتقييم أنظمة الرقابة الداخلية على الإعانات المالية والعينية التي تقدم للمعاقين، بالإضافة إلى تقييم مخاطر العنف والإهمال، والتأكد من وجود التدابير المناسبة لحمايتهم و قياس مدى تأهيل المعاقين وتدريبهم
للأجهزة العليا للرقابة مثل ديوان المراقبة العامة في المملكة، دور مهم تلعبه في تدقيق ومراجعة البرامج والتشريعات التي تتعلق بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث من الممكن للأعمال الرقابية أن تكشف عن جوانب ضعف مهمة في أداء مثل هذه البرامج.
ولتوضيح هذا الدور المهم للرقابة، أطرح بعض التجارب الدولية في هذا المجال وما توصلت إليه بعض الأجهزة الرقابية من نتائج ساهمت بشكل كبير في دعم الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة والتي تم استعراضها في مؤتمر (اليوروساي) الخاص بالإتحاد الأوربي، ففي بولندا على سبيل المثال تبين من خلال الرقابة على البرامج التي توفر إعفاءً ضريبياً لأصحاب العمل المستخدمين لأشخاص من ذوي الإعاقة، أنه لم ينفق سوى جزء صغير من الأموال على أهداف تتعلق بإعادة تأهيل المعاقين، بينما أنفقت مثل تلك الأموال على أمور أخرى مثل الكهرباء والاستثمارات.
وفي ألمانيا، أشار الجهاز الأعلى للرقابة إلى طول المدة ما بين التاريخ الذي يتقدم فيه الشخص المعاق لطلب المعونة وتاريخ تنفيذ الإجراءات الملائمة لإلحاقه بالعمل، وفي أيسلندا تبين وجود نقص في الموظفين المؤهلين تأهيلاً كاملاً للاعتناء بالأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأشار الجهاز الرقابي أيضاً إلى أن الخدمات الموفرة للمعاقين تخالف الأنظمة والقوانين ذات العلاقة، وفي بريطانيا والسويد اتضح وجود قصور في خطط العمل المعدة للأشخاص المعاقين المشمولين ببرامج الإعانة، بما يؤثر سلباً على قيمة الدعم الموفر.
هذا وقد حدد مؤتمر (اليوروساي) الصعوبات التي تواجه الأجهزة الرقابية عند مراجعة البرامج الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة والتي تتمثل في عدم جودة البيانات أو عدم اكتمالها، وصعوبات تدقيق تتعلق بنواح تتطلب تشخيصات طبية بشأن الأهلية ، ووجود تعقيد تنظيمي في الطريقة التي تدار فيها بعض البرامج.
وهنا أكتفي بهذا القدر من التجارب الدولية في مجال الرقابة على البرامج الحكومية الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، والتي كان الهدف من استعراضها توضيح الدور المهم للرقابة على أداء هذه البرامج، والتي يمكن الاستفادة منها للقيام بأعمال رقابية مماثلة لها في المملكة.
حيث تشير بعض الدراسات والأبحاث العلمية إلى وجود تحديات كبيرة تواجهها البرامج والخدمات المقدمة إلى ذوي الاحتياجات في المملكة، أختصرها فيما يلي:
• رصدت بعض الصحف المحلية حالات عنف وإهمال مع ذوي الاحتياجات الخاصة في بعض مراكز التأهيل، بسبب عدم كفاءة عمالة العناية الشخصية وضعف أنظمة الرقابة الداخلية في هذه المراكز.
• من أهم المشاكل التي تواجه المعوقين في أعمالهم وفي المباني الحكومية هو عدم ملاءمتها لبعض الإعاقات، حيث إن بعض المباني غير مهيأة بشكل جيد لهم، حيث تفتقر إلى خدمات أساسية مثل مواقف السيارات، وارتفاع مداخل المباني و عدم وجود منحدرات، وعدم وجود مصاعد أو وجودها ولكن ذات أبعاد غير مناسبة لا تسمح بدخول الكرسي المتحرك أو الوصول إلى مفاتيح التحكم، وعدم تصميم دورات المياه بشكل يتناسب مع ذوي الاحتياجات الخاصة.
• الحاجة إلى وجود برامج توظيف فعّالة وبرامج متابعة بعد التوظيف لخريجي برامج التأهيل المهني للمعاقين، والحاجة إلى وجود برامج تدريبية تتناسب مع احتياجاتهم.
وبالطبع هنالك الكثير من الإشكاليات والتحديات التي تواجه برامج ذوي الاحتياجات والتي لا يمكن حصرها، وخاصةً إذا علمنا أن حكومة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، قد رصدت مليارات الريالات سواء كانت في شكل معونات نقدية أو عينية، و تعزيز فرص العمل والتقدم الوظيفي للأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل، فضلاً عن تقديم المساعدة على إيجاد العمل والحصول عليه،و تمكينهم من الحصول بصورة فعالة على البرامج العامة للتوجيه التقني والمهني وخدمات التوظيف والتدريب المهني والمستمر.
وبالتالي فإن مثل هذه الإعانات وهذه الخدمات تحتاج إلى تقييم ومراجعة من قبل الأجهزة الرقابية في المملكة، وذلك لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة، وتفعيل جودة الخدمات المقدمة لهم، بالإضافة إلى مساعدة الدولة في المحافظة على مواردها، وذلك من خلال إلقاء الضوء على أي أوجه قصور مثل الاستخدام غير الصحيح للأموال والأداء الضعيف.
ومسؤولية الرقابة هذه تقع على عاتق ديوان المراقبة العامة بصفته الجهاز الأعلى للرقابة في الدولة، حيث يختص الديوان بالرقابة المالية ورقابة الأداء حسب ما جاء في نظامه، لذا يمكن أن يقوم الديوان بمراجعة وتقييم برامج وزارة الشؤون الاجتماعية وبرامج وزارة العمل التي تتعلق بذوي الاحتياجات الخاصة.
فعلى سبيل المثال يستطيع الديوان القيام بتقييم أنظمة الرقابة الداخلية على الإعانات المالية والعينية التي تقدم للمعاقين، بالإضافة إلى تقييم مخاطر العنف والإهمال، والتأكد من وجود التدابير المناسبة لحمايتهم، ويستطيع أيضاً القيام بمهمة استراتجية تشمل جميع مناطق المملكة بخصوص قياس مدى تأهيل المعاقين وتدريبهم وإلحاقهم بسوق العمل ومدى فعالية البرامج الخاصة بذلك.
ومن الفوائد المحتملة لمثل هذه المهام إمكانية تحسين الممارسات الإدارية وتحسين نظم المعلومات الخاصة بهذه البرامج، والحصول على مؤشرات يمكن من خلالها تحديد النواحي التي يجب التركيز عليها، والتي تنعكس في النهاية على تفعيل جودة الخدمات المقدمة إلى ذوي الاحتياجات الخاصة.
وتبعاً لذلك يتوجب على الديوان عند التخطيط لأعماله المستقبلية أن يأخذ في الاعتبار المخاطر والحساسية المتضمنة في برامج والخدمات المتعلقة بذوي الاحتياجات الخاصة، وأن يولي اهتماماً أكبر بها، مع العلم أن الديوان سوف يواجه التحديات والصعوبات التي واجهتها الأجهزة الرقابية الأخرى في دول العالم عند تنفيذ مثل هذه المهام، مثل تعقد طرق تنفيذ البرامج، وصعوبة قياس نجاحها، ونقص البيانات والمعلومات، ولكن فرص التعلم من خبرة وتجارب الدول الأخرى والتقنيات التي استخدمت من قبلهم في تطوير المنهجيات الرقابية أمر مطلوب ومفيد جداً.