هذا البلد الأمين الذي أعطاه الله سبحانه وفرة في كل شيء، المال والموقع الجغرافي الاستراتيجي الممتاز والموارد الاقتصادية والبشرية والمكانة الدينية العالية التي تفوق أي مكانة أخرى لأي دين في أي زمان ومكان، هو الأقدر سياسيا

حرصت القوى الكبرى المتنفذة في العالم منذ غزوها لمنطقة الشرق الأوسط بداية القرن العشرين على أن تأخذ في الحسبان رأي المملكة العربية السعودية في اتخاذ أي إجراء سياسي أوعسكري حاسم في المنطقة، لما تشكل المملكة من أهمية استراتيجية بالغة على الصعيد الجيوالسياسي وما تتمتع به من مكانة دينية مرموقة في العالم الإسلامي من أقصى الأرض إلى أقصاها، وقد أدركت تلك القوى هذه الحقيقة فبادرت إلى توسيع علاقاتها السياسية معها بهدف تأمين مصالحها في المنطقة على المدى البعيد، فأصبح العمل المشترك والمصلحة المتبادلة، تقليدا سياسيا راسخا ومتوارثا لا يمكن تجاوزه، ولم يكن اختيار تلك القوى العالمية المهيمنة على الشرق الأوسط بعد سقوط الدولة العثمانية وتقسيم تركتها، لاثنين من أبناء المملكة في تولي الحكم في العراق والأردن فيصل الأول 1921 ــ 1933 ملكا على العراق وعبدالله الأول 1882ــ 1951 ملكا في الأردن، جاء عن عدم الثقة بأبناء الدولتين أو لقلة الكفاءة البشرية فيهما، بل يرجع السبب إلى المكانة الرفيعة التي تتمتع بها المملكة على الصعيد العالمي ودورها الكبير في التأثير على سياسة المنطقة، فالمملكة تمتلك مزايا مثالية لقيادة العالم الإسلامي فضلا عن قيادة منطقة الشرق الأوسط الاستراتيجية التي تتكالب عليها قوى عالمية وإسلامية مختلفة من أجل بسط سيطرتها عليها، لم تستطع أي قوة لحد الآن ومن ضمنها القوى الاستعمارية التقليدية المعاصرة؛ بريطانيا وإيطاليا وفرنسا من إخضاعها بشكل كامل لسطوتها، رغم أنها فرضت حالة من التشرذم والتقسيم القسري على مجتمعاتها، كما بذل جمال عبدالناصر جهدا جبارا لتطويع المنطقة لسياسته من خلال النقر على الوتر القومي، لكنه فشل فشلا ذريعا، لأن تلك المجتمعات لم تكن ترى في الطرح القومي الرديكالي حلا للمشاكل القائمة، بل بالعكس كانت تعتبره مصدرا لمزيد من المشاكل والأزمات التي هي في غنى عنها، والأمثلة كثيرة منها الحروب الفاشلة التي أشعلها الناصر في اليمن ومع إسرائيل والحروب العراقية الكثيرة التي شنها صدام حسين على شعبه وجيرانه باسم العروبة، مما أدى إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة، مازالت المجتمعات العربية تعاني من آثارها المدمرة، وكذلك الحروب والممارسات القمعية لنظام الأسد الأب والابن بحق الشعبين السوري واللبناني، فإذا كان أصحاب الدعوات العروبية قد فشلوا في فرض أنفسهم بالقوة على المنطقة، فإن الأميركيين أيضا فشلوا في فرض نموذجهم الديموقراطيالكبيربالقوة من خلال الغزو والاحتلال، بسبب فقدانهم لأهم ركن من أركان النجاح وهوالمصداقية، فأميركا فقدت مصداقيتها بسبب انحيازها العمياوي لإسرائيل على حساب العرب، فالخطأ الذي وقعت فيه أميركا انها وضعت العربة أمام الحصان كما يقولون، وأقدمت على طرح مشروعها في دمقرطة المنطقة قبل إقرار السلام فيها وحل المشاكل العالقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وأيضا بين العرب والأكراد في العراق، فاستراتيجية الهروب من حل المشاكل التي ظلت أميركا تنتهجها في المنطقة لعقود، لم تعد تجدي نفعا، عليها أن تثبت وجودها وجدارتها من خلال التصدي لتلك المشاكل لا من خلال إثارة الفتن والأزمات..
لذلك، فأنا مازلت مقتنعا أن هذا البلد الأمين الذي أعطاه الله سبحانه وفرة في كل شيء، المال والموقع الجغرافي الاستراتيجي الممتاز والموارد الاقتصادية والبشرية والمكانة الدينية العالية لدى الأمم الإسلامية التي تفوق أي مكانة أخرى لأي دين في أي زمان ومكان، هو الأقدر سياسيا، يكفي أن المسلمين في القارات السبع يتوجهون إليه في صلاتهم ودعائهم لخمس مرات على الأقل، وأن الملايين يقصدونه حاجين معتمرين.. ولا توجد فيه تناحرات عرقية ولا طائفية ولم يدخل مع جيرانه في حروب ومنازعات من أجل مصلحة معينة، بل بالعكس كان دائما سباقا لتقديم المساعدات الإنسانية وطرح المبادرات السياسية السلمية لشعوب المنطقة، فهو مهيأ لحمل رسالة السلام والمحبة إلى شعوب المنطقة التي تعج بالمنازعات العرقية والطائفية كما حملها من قبل ونجح في أدائها، هذا البلد يصلح أن يكون نموذجا ممتازا، أكثر نشاطا وفاعلية من النموذجين المطروحين على الساحة السياسية بقوة وهما النموذج التركي والنموذج الإيراني.
مشكلة الدول العربية بشكل عام هي أن جل اهتماماتهم السياسية منصبة على قضيتين خالدتين؛ القضية الفلسطينية والقضية اللبنانية، والحق أن للمملكة أن تلعب دورها الحقيقي الريادي في ترتيب البيت الإسلامي والعربي ووضع حد لحالة التشرذم السياسي والفكري القائم، وهي قادرة على ذلك.