ذات مساء من أيام ربيع 1967 التقت مجموعة في طور الشهرة من الروائيين المنحدرين من أميركا اللاتينية في أحد مقاهي لندن، في تلك الأيام طرأت بين المجموعة فكرة الكتابة عن أدب الديكتاتور، بحيث يكون بكل ملامحه وعباراته وعقليته وحماقاته وهزله ونتائج حكمه هو المواد الأساسية للروايات.
بعد أمسيات لندن تلك حلق أدب الديكتاتـور بالأدب اللاتيني نحو العالمية، كان السبق أولاً لرواية السيد الرئيس لاستورياس، وهي التي دخلت عبرها نوبل القارة الجنوبية للمرة الأولى، ورواية أنا الأعلى لأجوستو باستوس، وروايتين لماركيز وهي خريف البطريرك والجنرال في متاهته ومؤخراً رواية حفلة التيس لماريو بارجاس.
في اليونان صدرت منتصف السبعينات الميلادية للمغنية اليونانية الأشهر فيكي لياندروس أغنية شائعة آنذاك ومندثرة الآن بعنـوان (دع شعبي يمر) تقصد بها الجنرال اليوناني الحاكم، اليونانيون أصحاب الحضارة العريقة والقومية الطاغية كانوا يتطلعون بإعجاب آنذاك لمصر عبدالناصر لرداءة الحكم لديهم، حتى كان يوم الانقلاب العسكري، وإلغاء الملكية من قبل جنرالات اليونان عام1973 ولتتأرجح البلاد بين الفوضى والاستبداد العسكري ثمان سنوات، قبل أن تسود الديموقراطية بالتزامن مع انضمـامها إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية عام 1981.
إن كانت حالة التيه المصرية الحالية تشابه مثيلتها اليونانية فإن قمع فرانكو الإسباني يشبه القمع السوري القومي الحالي، وفي احتجاجات برشلونة عام 1951 لم تكتب الصحف كلمة واحدة عن الحدث، وبدلاً عن ذلك تستطيع تغطية أخبار افتتاح الجنرال لمدرسة ابتدائية في مدريد العاصمة، وهو ذات السياق في أوروبا الشرقية خلال عقد الثمانينات.
اختفى تدريجياً مشهد الجنرال ذي البزة العسكرية والنياشين النحاسية والضحكة المحكمة، اختفى الجنرال الذي يتطلع لشعبه بتجهم عبر شرفات القصور الرئاسية، انتهى المشهد من المخيال الجمعي، وترسخت مبادئ التعددية والعدالة والحرية أكثر وأكثر.
لا أحد يريد أن يسترجع الأخطاء، ولا أحد يريد معرفة ما حدث.