يهدف هذا البرنامج كما جاء في نظامه إلى اختيار الكفاءات السعودية المؤهلة وإرسالها إلى أفضل الجامعات في مختلف دول العالم، لاكتساب الخبرات والثقافات، وبناء كوادر سعودية مؤهلة ومحترفة في بيئة العمل

اقتراب رقم المبتعثين إلى 130 ألف مبتعث في مختلف جامعات العالم يخولنا إطلاق تسمية جامعة المبتعثين على برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي.. هذا البرنامج الطموح الذي جاء مواكباً لعصر القرية الكونية الذي نعيشه، حيث يهدف هذا البرنامج كما جاء في نظامه إلى اختيار الكفاءات السعودية المؤهلة وإرسالها إلى أفضل الجامعات في مختلف دول العالم، والعمل على إيجاد مستوى عال من المعايير الأكاديمية والمهنية من خلال هذا البرنامج، وتبادل الخبرات العلمية والتربوية والثقافية في مختلف دول العالم، وبناء كوادر سعودية مؤهلة ومحترفة في بيئة العمل، ورفع مستوى الاحترافية والمهنية وتطويرها لدى الكوادر السعودية.
ولقد أتاح هذا البرنامج في فرصة ذهبية ممنوحة لكل من يجد الكفاءة في نفسه الانكشاف على أفضل البرامج في العالم، وسيتيح الفرص لبرامج التنمية كافة في بلادنا لتوطين الكفاءات المتعلمة والمدربة، مما سيكون لهذا التوطين من دور كبير للارتقاء بتلك البرامج.. وهذه النقطة بالذات سيكون لها دور كبير في القضاء على مشكلة الذين يأتون إلينا ويتدربون في مؤسساتنا بما يتضمنه ذلك التدريب من ممارسات خاطئة أثناء مراحل التدريب، حتى إذا ما كانوا في قمة التأهيل والتدريب قدموا شهادات خبرة للعمل في دول أخرى وتركونا بعد أن ازدادوا تعلماً وتدريباً، وهذه مشكلة كبيرة سيكون لبرنامج الابتعاث دور في القضاء عليها.
العلم أساس نهضة الأمم، والإنسان في أي دولة هو أثمن وأنفس ثروة تمتلكها الدول. والاستثمار في تأهيل الإنسان وتعليمه وتدريبه هو أفضل استثمار، ولهذا كان إقرار ما قد نسميه جامعة المبتعثين خطوة كبيرة وهامة وتاريخية سيكون لها أثر كبير في مد القطاعين الحكومي والأهلي بكفاءات مميزة تعمل على الارتقاء ببلادنا، لأن المنافسة في سوق العمل العالمي شرسة، وإذا لم يكن لدى أي دولة أفراد مؤهلون ومدربون سوف لن تستطيع أي دولة المنافسة في سوق العمل العالمي، وسوف لن يرحم التاريخ الكسالى والمتهاونين والمقصرين الذي لا يعيشون في عالمهم لا في العالم، والذين لا يدركون أهمية المرحلة ومتطلباتها، والذين يضعون العوائق والمشكلات والمثبطات في طريق أي عمل أو برنامج أو مشروع جديد.
عالمنا اليوم عالم شرس، عالم متبدل ومتلون ومتقلب.. لابد أن نعرف متطلباته ومشكلاته في الوقت المناسب وإلا سيبقى التخلف هو السمة البارزة، والأهم من ذلك أن نعرف أن لكل مشروع جديد مشكلاته وعوائقه.. فالتطوير هو تحد كبير. لابد من اليقظة الكاملة فيه، فهناك تحدي تنفيذ هذا المشروع وهناك تحدي المستهدفين فيه، وهناك تحدي الملاحظين عليه، وهناك تحدي الاستمرار فيه، وهناك تحدي الاستفادة منه.. ولا بد من معرفة سمة كل تحد والعمل على علاجها بحكمة وروية.. والحكمة والروية تقتضي أن نعرف أولا أن هناك مراحل لاجتياز التحدي، ولا بد من معرفتها والتعامل معها بوعي كبير، والمراحل هي الرفض، المقاومة، القبول لا التبني، والمرحلة الأشرس هي الأولى، وبالحكمة والروية يتم الوصول إلى نقطة النهاية بنجاح وهي التبني.
برنامج خادم الحرمين للابتعاث أو جامعة المبتعثين من الإنجازات الكبيرة التي يحققها مجتمعنا، لأنه ببساطة يستثمر في الإنسان، ولأنه يؤهل الإنسان، ولأنه يوطن المؤهلين في مؤسساتنا الحكومية والأهلية.. وسوف يُرى هذا المردود في المستقبل القريب إن شاء الله بعد أن بدأت جامعة المبتعثين تضح للوطن أعداد المتخرجين والمتخرجات في كافة التخصصات.. وقد استثمرت الجامعات بوعي ونجاح هذا البرنامج، وأرسلت مبعوثيها إلى كافة الدول التي يتواجد فيها مبتعثونا، لاصطياد المتميزين منهم ومنحهم وظائف المعيدين والمحاضرين، ليستكملوا دراساتهم العليا على حساب تلك الجامعات، ويعودوا أساتذة مؤهلين فيها بعد تخرجهم، في بعد آخر للاستثمار في هذا البرنامج وفائدة كبيرة من فوائده.
أما وقد قلنا ذلك بكل موضوعية وتجرد فإننا أولاً ندعو الله للقائمين عليه بالتوفيق وسداد الخطى، لمواصلة العمل على مواجهة التحديات والنجاحات.. وثانياً نقول لزملائنا في هذا البرنامج إن هناك ثغرة لابد من رفعها إلى طاولة التفكير والنقاش، وهي أن في نظام العديد من البرامج، وحتى في الدراسات الاجتماعية؛ يتاح للطلاب أثناء دراستهم الجامعية في تلك الجامعات التدريب لمدة فصل أو فصلين في مؤسسات المدن التي يدرسون فيها أو قريبا منها، ليقترن التأهل العلمي بالتدريب العملي، حتى إذا ما تخرج الطالب تكون لديه خبرة عملية في المجال الذي درس فيه.
طلابنا لا يلتحقون بهذه البرامج ربما بسبب فترة الابتعاث التي لا تسمح لهم بذلك، وقد يكون الحل في ما لا يدرك كله لا يترك جله فبدلاً من التدريب لمدة عام قد يختصر لفصل دراسي واحد. أقول ذلك لأن بعض الذين يعودون يجدون صعوبة في الحصول على وظيفة بالسرعة التي يتوقعونها، ربما بسبب تدني أو عدم وجود الخبرة العملية. وقد يكون في تخصيص فصل دراسي واحد يلحق فيه الطالب بمؤسسة في مجال تخصصه أثناء الدراسة انكشاف الدارس بشكل عملي على مجال عمل تخصصه، الأمر الذي قد يسهل عليه اجتياز اختبار الحصول على الوظيفة في المؤسسة التي يتقدم للعمل فيها بعد عودته إلى الوطن.
لاشك أن ذلك يضيف عبئاً مالياً وإداريا على وزارة التعليم العالي، لكنه أولاً يتيح الفرص للمبتعثين للانكشاف على برنامج تدريب عالي المستوى، والحصول على خبرة عملية متميزة، ثم إنه قد يقضي على خوفنا من صعوبة حصول مبتعثينا على الوظائف بعد عودتهم. صحيح أن وزارة التعليم العالي غير معنية بالتوظيف، وأن مهامها تنتهي بتنفيذ هذا البرنامج والحرص على نجاحه.. لكنها قد تساهم بذلك في تسهيل مهام زملائهم في وزارة العمل تحديداً ثم وزارة الخدمة المدنية. هذا بلا شك لا يقلل من الجهود المبذولة في مشروع الابتعاث، لكنه يضيف إليه ميزة يتطلبها. أرجو أن يجد زملاؤنا في التعليم العالي في هذا الاقتراح ما يفيد وما يضيف إلى هذا المشروع، الإنجاز.
جامعة المبتعثين إنجاز كبير للوطن يجني ثمرة أبنائه بشكل عاجل بحصولهم على ميزة التأهيل والتعليم في أفضل المؤسسات العالمية.. وبإذن الله تكون الفائدة للوطن أولا وأخيراً.. نسأل الله أن ينفع به ويوفق القائمين عليه ويبارك جهودهم.