'حزب الجهل' يتنامى في المجتمع الأميركي على أكتاف 'الإسلام فوبيا'
يبدأ الأميركيون عاما جديدا وهم يواجهون تحديات تنتقل عبر الزمن من عام إلى عام بعد أن يطرأ عليها هذا القدر أو ذاك من التغير دون أن يكفي هذا لإبعادها عن قائمة الصعوبات التي يتعين عليهم مواجهتها على أي حال في كل يوم من أيام العام الجديد.
وقبل عرض ملامح التحديات التي يواجهها الأميركيون بصفة عامة في العام الجديد، وهي في أغلبها ثمرة ما تحقق ـ وما لم يتحقق ـ في الأعوام التي سبقته يجب إبراز ما تواجهها شريحة مهمة من الأميركيين في العام المقبل. والمقصود هنا هي شريحة الأميركيين المسلمين الذين يعانون الآن من قدر من التجاوزات يعيد إلى الذاكرة أسوأ أيام الإدارة السابقة.
ولا ترجع تلك الصعوبات الى سياسة مقصودة تتبعها الإدارة الحالية تتعمد بها استهداف المسلمين. ذلك أن هذه الإدارة تعد بإنصاف من أكثر الإدارات التي شهدها التاريخ الأميركي المعاصر تفهما للمتاعب التي تواجهها الجالية الاسلامية في الولايات المتحدة. غير أن المشكلة تكمن فيما وصفه العسكري الأميركي السابق باتريك لانج بـحزب الجهل في بعض وحدات أجهزة الأمن الأميركية.
وتتضح أبعاد تأثيرات هذا الحزب في تقرير مفصل نشر في صحيفة واشنطن بوست قبل نهاية العام بعشرة أيام حول الخبراء الذين يدربون قوات الأمن الأميركية على كيفية التعامل مع الجالية المسلمة في البلاد. فطبقا لما قاله أحد هؤلاء الخبراء فإن من المؤكد أن المسلمين ينوون السيطرة على الولايات المتحدة بصورة تدريجية لتطبيق الشريعة الإسلامية. ومهمة قوات الأمن هي مواجهة هذا الخطر حسب قوله.
بعبارة أخرى يخرج بعض أعضاء حزب الجهل ـ وهو حزب مؤثر في الولايات المتحدة ـ عن المهمة التي حددتها لهم من الأصل وزارة العدل أي تعقب احتمالات تشكل خلايا إرهابية أو مجموعات تنوي القيام بعمليات ضد الولايات المتحدة إلى مهام افتراضية وضعوها هم أمام أعينهم وقرروا تطبيقها.
عودة إلى اليمين
ويحدث هذا الرجوع إلى اليمين ضمن مسلسل تاريخي من الركض بين القطبين السياسيين في الولايات المتحدة في حركة بندولية (هزاز الساعة) أملا في البحث عن تبدل يخاطب طموحات الأميركيين. إلا أن المشكلة لا تكمن في عجز هذا أو ذاك عن تحقيق تلك الطموحات بل تكمن في القيود الواقعية التي تفرضها طبيعة الأشياء وحدود القدرات الأميركية في القرن الحادي والعشرين. بعبارة أخرى قد لا تكون المشكلة في كفاءة القيادات ولا في طموحات الأميركيين ولكن في حدود ما يمكن تحقيقه من الوجهة الواقعية. لقد عبر الأميركيون عن انتقالهم من المعسكر الديموقراطي إلى المعسكر الجمهوري في انتخابات الكونجرس النصفية هذا العام. غير أن الانتقال سيتواصل كحركة البندول بحثا عما يصعب الوصول إليه من الأصل.
فشل الطموحات الخارجية
وفي السياسة الخارجية لم يكن نصيب الطموحات أفضل كثيرا من نصيب أهداف السياسة الداخلية. فقد مرت الأزمة في العراق على نحو ما على الرغم من أن بذورا كثيرة لا تزال تعد بإنبات ثمار مرة في فترات لاحقة. وكان مرور الأزمة من ستر الله كما يقولون إلا أن من المبكر أن تحتفل واشنطن بتحقيق إنجاز هناك. فبعد الحديث عن انسحاب تام هذا العام أضيفت بعض التعديلات التي قد تكون ضرورية ولكنها تبقى تعديلات على الهدف المعلن.
وفي حالة إيران فإن أزمة البرنامج النووي لا تزال تراوح مكانها من عام إلى عام دون أن تتمكن الحدود الموضوعية لقدرات الولايات المتحدة على فرض حل أيا كان نوعه لما تراه هي مشكلة كبيرة. وقد تستمر الأزمة الإيرانية لسنوات تالية ما لم يقرر الجانبان معا أن عليهما تغيير مواقفهما لحسابات تتعلق بالقدرات الذاتية وليس لحسابات تتعلق بالقدرة المطلقة للولايات المتحدة إذ لا يوجد شيئ من الأصل يسمى القوة المطلقة للولايات المتحدة بل إن هناك تراجعا متصلا وملموسا في القدرة النسبية لواشنطن لأسباب موضوعية.
الشرق الأوسط: مكانك راوح
فقط تبقى القضية الفلسطينية واحدة من القضايا التي يمكن للولايات المتحدة في نطاق قدراتها الذاتية أن تدفعها إلى تسوية عادلة. ذلك أن اسرائيل تستمد أغلب قدراتها من الولايات المتحدة أي أن تأثير واشنطن ينبغي أن يكون حاسما. إلا أن هناك ترددا واضحا لأسباب تتعلق بحسابات ذاتية سياسية إذ إن المصالح الموضوعية تدعو أكثر من أي شيء آخر إلى فرض مثل هذا الحل دون إبطاء.
أفغانستان: الانسحاب الصوري
وعلى العكس من القضية الفلسطينية من حيث دور العوامل الذاتية أو الحدود الموضوعية للقدرة على التأثير فإن قضية أفغانستان توضح بجلاء حدود القوة الأميركية. فقد كانت خلاصة العاصفة التي هبت في نهاية العام حول التقييم الاستخباري الأميركي للأوضاع هناك هي الإقرار كما قال الباحث العسكري المعروف آندرو ايكسوم أنه لا يوجد حل ناجح لهذه المواجهة.