مهما تحالفت الأطراف السياسية 'الشيعية' في منع سقوط النظام السوري البائس أو حاولت إبقاءه لفترة أطول فإن عمره الافتراضي قد انتهى، وأصبح في عداد الهالكين منذ أول صرخة أطلقها الطفل 'حمزة الخطيب'
-1-
في الوقت الذي تضيق فيه الدوائر حول النظام الدكتاتوري السوري، وتتعرض مؤسساته القمعية للتآكل والانهيار شيئا فشيئا بفعل الاحتجاجات الشعبية الغاضبة، وبينما يبتعد عنه الأصدقاء ويعيش في أسوأ حالاته وأذلها منذ أن فرض نفسه على السلطة قبل أكثر من أربعين عاما وأحكم قبضته على رقاب الناس عن طريق القوة الغاشمة، ونتيجة سياسته الرعناء ضد الشعب السوري المظلوم وتحديه المستمر للقرارات الدولية، وقمعه المتواصل للمتظاهرين العزل والذي فاق كل تصور، أصبح المطلوب رقم واحد للعدالة، وهدفا يوميا للعقوبات الدولية وموضع سخرية لوسائل الإعلام العالمية، وفقد بذلك أهم ركيزتين من ركائز الدولة وهما الدعم الداخلي (الشعب)، والتجاوب الخارجي (الدول)، يعني بعبارة أخرى أن النظام السوري أصبح ورقة سياسية محروقة داخليا وخارجيا لا يتعامل معها إلا الخائبون والمصطادون في الماء العكر كالنظام الروسي.
وسط هذه الأجواء المشحونة بالتوتر والترقب التي تنبئ بانهيار أركان النظام الهشة في أي لحظة، ليلقى نفس مصير سلفه البعث العراقي، نجد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يصر على مخالفة الإجماع الدولي، ويسبح ضد التيار السائد ويبعث بمستشاره ووزير أمنه القومي الوطني إلى دمشق ضمن وفد كبير ليعرض على رأس النظام المنبوذ خدماته في مجال التنسيق والتعاون الأمني، ويحاول أن يفتح معه صفحة جديدة بعد كل الجرائم التي ارتكبها بحق العراق والعراقيين، ولا يخفى على أحد ماذا يعني التنسيق الأمني بين نظامين لا تجمعهما في الظاهر أي أرضية مشتركة في هذا الظرف الاستثنائي الخطير.
-2-
ولكن ما الذي يجمع حزبا دينيا غارقا في الفكر التصوفي الباطني كحزب الدعوة الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ذي التاريخ الحافل بالمطاردات والسجون والمعتقلات مع حزب قومي عنصري، علماني، لا ديني، مناهض للدين والأحزاب الدينية، وكل ما يمت إليهما بصلة كحزب البعث العربي الاشتراكي؟! وما الدوافع التي جعلت المالكي يغير سياسته المتشددة حيال النظام السوري الذي وصفه يوما ما بأنه استنساخ للديكتاتورية التي حكمت العراق، واتهمه بإيواء البعثيين وإرسال الإرهابيين لتنفيذ أعمال تخريبية في العراق، والذي قام على إثرها باستدعاء سفيره من دمشق؟.. لم يدع المالكي مناسبة دون توجيه اتهامات مباشرة لدمشق بوقوفها وراء التفجيرات في العراق، وتعهد باللجوء إلى المجتمع الدولي أو أية وسيلة أخرى لوقف انتهاكاتها على الأراضي العراقية، ووضع حد لما أسماه التدخل السوري في العراق، وعندما زار عمار الحكيم زعيم الائتلاف الوطني الذي ينضوي حزبه دولة القانون فيه وحظي بلقاء الأسد، أقام المالكي الدنيا عليه ولم يقعدها واستنكر زيارته بشدة واعتبرها إهانة وجهها الحكيم للعراق والعراقيين.. إذن كيف انقلب الرجل 180 درجة من عدو عنيد إلى حليف قريب، من شخص يدعي بأنه مع الشعوب في المطالبة بحقوقها المشروعة بالطرق القانونية عبر مظاهرات سلمية، إلى مناهض لطموحاتهم ومسفه لأحلامهم ودعوتهم إلى الامتناع عن تخريب الدولة! مع أن الدولة هي التي تمارس التخريب بشكل منظم وليس المتظاهرون...
-3-
إن تغيير الموقف السياسي المفاجئ لحكومة المالكي من النظام السوري في هذا الوقت بالذات ودون تقديم أي سبب مقنع لذلك، وتزامنا مع تصريحات زعيم التيار الصدري العراقي مقتدى الصدر المساندة للحكومة السورية مع لقاء رئيس كتلة الأحرار النيابية التابعة للتيار الصدري بهاء الأعرجي بالسفير السوري في بغداد وتقديم دعمه الكامل لسورية أمام المؤامرات الخارجية، وبالتوافق مع بيانات زعيم حزب الله اللبناني حسن نصرالله المؤيدة للنظام الأسدي والداعية إلى الوقوف مع سورية لكي لا تقدم تنازلات للدول الغربية على حد زعمه وتبقى في موقفها القومي!!، ولو جمعنا هذه الخيوط بعضها مع بعض؛ لعرفنا السبب الحقيقي في تقرب المالكي من النظام السوري ومحاولة دعمه ومساندته في هذا الظرف الحساس، ولأدركنا أن ثمة اصطفافا شيعيا قويا في المنطقة، وأن ما أشار إليه الملك عبدالله الثاني عاهل الأردن قبل فترة لجريدة واشنطن بوست حول وجود نية لإنشاء هلال شيعي في المنطقة يمتد من طهران إلى بغداد ودمشق وينتهي بلبنان، حقيقي ولا يقبل التأويل.
-4-
مهما تحالفت الأطراف السياسية الشيعية في منع سقوط النظام السوري البائس أو حاولت إبقاءه لفترة أطول فإن عمره الافتراضي قد انتهى، وأصبح في عداد الهالكين منذ أول صرخة أطلقها الطفل حمزة الخطيب بوجه الطغاة، وقال ارحل، وقبل أن يخترق رصاص الغدر جسمه الصغير ويستشهد.. لن تستطيع قوى الشر كلها وقف زحف الشعب المبارك نحو آفاق الحرية والكرامة، فقد كسر حاجز الخوف المتراكم منذ سنين وانعتق من العبودية البعثية إلى الأبد.