ثقافتنا وما فيها من قيم هي الأفضل فهي روحانية الأصل، ولها بعد ما ورائي ويصل أثرها الطيب لما بعد الموت. هذا المفهوم المتجذر فينا هو ما يعطينا الشعور بالفوقية الثقافية كمسلمين. حتى إن أي سلوك جيد يصدر عن غيرنا

ثقافتنا وما فيها من قيم هي الأفضل فهي روحانية الأصل، ولها بعد ما ورائي ويصل أثرها الطيب لما بعد الموت. هذا المفهوم المتجذر فينا هو ما يعطينا الشعور بالفوقية الثقافية كمسلمين. حتى إن أي سلوك جيد يصدر عن غيرنا فنحن من أنتجه أساسا لكن في زمن ما أضعناها وتبناه الآخرون. وكأن الشعوب والثقافات الأخرى عاجزة عن إنتاج أي قيم أو معان نبيلة أو أن البشرية لم تنتج قيما قبل ظهورنا.
وبناء على هذه الفوقية الثقافية، يأتي تقييمنا للآخر حيث يقع في فئتين: إما المغضوب عليهم أو الضالون، ولا نكتفي فقط بتصنيف الآخرين في خانات تعتبر لمن يوسم بها مرفوضة. بل نولد مشاعر تتراوح بين الكره والشفقة، فهم إما أعداؤنا الذين يجب أن يروا من الحياة ما نرى حتى نوقف شعورنا بالعدوان نحوهم أو أننا سنشملهم بالشفقة لما هم عليه من ضياع ولما فاتهم من خير عميم ولما ينتظرهم من بؤس لا نجاة منه.
ومع إيماننا بما نحن عليه من سمو ورفعة، تضغط صورة واقعنا البائس بسؤال ملح، لماذا إذاً نحيا القمع والظلم وانعدام العدالة الاجتماعية والطبقية البغيضة، لماذا نحن أمة متأخرة؟ فإذا كانت القيم التي تحكمنا هي في منتهى الكمال فلماذا نحن في منتهى التأخر. علما بأن السلوك الاجتماعي والأوضاع البشرية هي منتج لأفكار البشر وما نحن فيه الآن من أحوال بائسة سوى نتيجة تفكيرنا النابع من قيمنا..
وبالطبع سؤال كهذا يتطلب أدمغة باحثين وعلماء عقلانيين غير منحازين ولا عاطفيين. لكن كعادتنا في تعاطي أكثر القضايا حساسية نركن لأول إجابة يصدرها عقل بسيط ومتواضع حيث يأتي الرد سريعا وهو أن المشكلة في التطبيق، فنحن لا نطبق قيمنا صحيحة كما يجب وتظل هذه الإجابة هي ما نراوح حوله منذ العصر الذي وصفناه بأفضل العصور الإسلامية وهما القرنان الأول والثاني.
لكن تقف الأقلام وتجف الصحف عند عذر سوء التطبيق ولا تتم مساءلة هذه الإجابة أو حتى إعادة التفكير فيها، بالنسبة لي لا أعتقد أن القضية هي قضية السوء في التطبيق.
لكن لأصحاب هذه النظرية أوجه تساؤلاتي: نحن نعرف أن السواد الأعظم من شعوبنا يحب هذه الثقافة وينتمي لها بعمق ويعبر عن ولائه تجاه من ينتقدها بعنف.
إذاً فلماذا لم ينجح أي مجتمع حديث في تطبيق هذه المنظومة؟ هل لصعوبتها رغم ما نصفها به وهو يسر مفاهيمها وملاءمتها لطبيعة البشرية؟ أم لأنها متعالية ولا بد للبشر من أن يرقوا بأنفسهم لمستواها؟ أم لتعدد أوجهها بناء على فهم أصحابها، مما يتطلب حكما دكتاتوريا لفرض أحد هذه النماذج.
عموما الوضع الحالي لبعض الدول العربية كمصر وليبيا يحمل لنا الكثير من الإجابات حول هذا القضية.