الشركات لم تهتم بقضية الأخطار الصحية الناتجة عن إشعاعات أبراج الهاتف النقال من خلال عقد مؤتمر أو ندوة، أو دعم أبحاث علمية للمعالجة، أو البحث عن حلول للتخفيف من حدة الأخطار الصحية

كوارث بيئية تواجه سكان العالم بعضها من صنع الطبيعة والآخر من صنع الإنسان وجميعها بإذن الله. إلا أن الكوارث من صنع الإنسان هي نتاج التقنية الحديثة وتطور العلم والبحث العلمي، للوصول إلى حلول وابتكارات حديثة تسهم في خدمة الإنسان والمدنية. إلا أنها في الجوانب الأخرى تسهم في التأثير السلبي على صحة الإنسان وسلامة الطبيعة في بعض الأحيان. ولا أرغب أن أدخل اليوم في سرد بعض الأمثلة وهي عديدة، وإنما سأكتفي بمثال واحد وهو أن هناك كارثة تواجه سكان العالم وعلى وجه الخصوص سكان المملكة العربية السعودية وهي كارثة ارتفاع نسب الإصابة بمرض السرطان، وعلى وجه الخصوص سرطان الدماغ. وهي ظاهرة أخذت في الارتفاع إلا أنها لم تجد من يتصدى لها في المملكة لا بالبحث ولا بالإثارة لإيجاد حلول لها، وقد سبق أن أثرت هذا الموضوع في إحدى جلسات مجلس الشورى في الدورة الماضية عند مناقشة تقرير وزارة الاتصالات، إلا أن طرحي لم يحظ برد مقنع من اللجنة المختصة، وظل هذا الموضوع مثار اهتمامي حتى اطلعت مؤخراً على أحد التقارير المهمة والذي كان ملخصه أن الآثار الصحية الناجمة عن الإشعاع الصادر من أبراج الهاتف الخلوي تؤثر سلباً على الصحة العامة. وهذا ما أثبتته الأدلة العلمية على أن الأشعة الكهرومغناطيسية التي تنبعث منها حتى عند أدنى مستوياتها تشكل خطراً على صحة الإنسان، وعلى وجه الخصوص الأطفال وهم الأكثر عرضة للخطر، وذلك بسبب رقة جماجمهم ومعدل نموهم السريع، كما تزيد معدلات الخطر عند كبار السن والضعفاء والمرضى والنساء الحوامل، وقد أصدر بعض الأطباء المتخصصين في بريطانيا تحذيرات قوية للأطفال تحت سن 16 سنة بعدم التعرض للإشعاعات الكهرومغناطيسية والصادرة من أبراج الهاتف النقال. وأكبر دليل على أثر الإشعاعات لإصابة الإنسان بسرطان الدماغ ومرض الزهايمر وبعض الأمراض الخطيرة الأخرى هو تقرير لتجمع أكثر من مائة طبيب وعالم في جامعة هارفارد وجامعة بوسطن في الولايات المتحدة، والذين أكدوا في تقريرهم أن إشعاعات أبراج الهاتف النقال تشكل خطراً على الصحة، وتسبب أعراض سرطان الدماغ. وهي كارثة على سكان العالم ما لم توجه الأبحاث وترصد لها البلايين من قبل شركات الاتصالات للبحث عن حلول للوقاية من هذه الإشعاعات، ومن قبل صدور هذا التقرير أجمع تسعة عشر باحثا عالميا متخصصا في عام 1998 في العاصمة النمساوية فيينا على أن بعض الأمراض السرطانية هي نتيجة الآثار البيولوجية الناتجة من شدة التعرض لموجات منخفضة صادرة من أبراج الإتصالات. وأفاد الدكتور نيل الكرز، أحد علماء الفيزياء الحيوية في نيوزلندا والذي كتب واستعرض في 120 صفحة من 188 بحثا علميا حول هذا الموضوع، أثبت فيه أن الإشعاع الكهرومغناطيسي يسبب تغيير الخلايا مما يؤدي إلى السرطان، وأكد في بحثه (أن التعرض للموجات الصادرة من أبراج الاتصالات يزيد من خطر الإصابة بمرض السرطان مرتين إلى خمس مرات، وأكد أن ادعاءات شركات الاتصالات بعدم وجود تأثير صادر من ذبذبات أبراج الهاتف مردودة عليها، ومجرد ادعاءات باطلة غير مبنية على أسس علمية دقيقة. ويؤكد مجموعة من الباحثين المتخصصين في هذا المجال أن بعضا من الآثار السلبية على الصحة تظهر على الفور، ولكن بعضها يمكن أن يستغرق في كثير من الأحيان من 3 إلى 10 سنوات في مرض السرطان، وعلى وجه الخصوص سرطان الدماغ.
وبعد قراءاتي المتعددة وبحثي المستمر تأكد لي أن أبراج الهاتف النقال تعرض الأفراد المقيمين حولها وتحتها في المباني التي تتواجد على رأسها هذه الأبراج للإشعاع التراكمي، وبشكل لا اختياري، وقد ثبت أن ترددات الرايديو الإشعاعية المنخفضة تصاحبها تغييرات في إنشاء الخلايا وتلف الحمض النووي، كما يمكن لهذه المستويات المنخفضة من الإشعاع الصادر الوصول لأبعد من ميل من مكان البرج. ومن المشاكل الصحية التي تم إثباتها علمياً ومن خلال تجارب علمية وتم حصرها، وهي اضطراب النوم والاضطرابات النفسية، وضعف الذاكرة، ونزيف في الأنف، وزيادة مشاكل نزيف الدم في الدماغ، وزيادة معدل ضربات القلب، ونقص عدد الحيوانات المنوية، وضعف الجهاز العصبي.
ونتيجة تضاعف أعداد المستخدمين لخدمة الهاتف الجوال وانتشارهم على مستوى المملكة والمنطقة والمدينة والقرية؛ أصبح لزاماً على شركات الاتصالات التوسع في نشر أبراج التقوية للهاتف النقال في جميع الأنحاء ووسط الأحياء السكنية دون الالتزام بالضوابط والشروط والأنظمة واللوائح الصادرة بهذا الخصوص. ومع تسابق تقديم الخدمة بين شركات الاتصالات ينتشر الخطر، ويعمم دون اكتراث واهتمام من شركات الاتصالات بالآثار السلبية، ولم تهتم الشركات بهذه القضية من خلال عقد مؤتمر أو ندوة أو إعداد أبحاث، أو دعم أبحاث علمية للمعالجة، أو البحث عن حلول للتخفيف من حدة الأخطار الصحية. علماً بأن شركات الاتصالات هي الأكثر تحقيقاً للأرباح ودون رقيب أو متابعة شعبية عليها، فهي التي تتحكم في العملاء وفي أسعار الخدمات، وهي الأكثر إعلاناً، وتخصص مئات الملايين للدعايات الشبابية في الأنشطة الرياضية، مثل كرة القدم والأنشطة الأخرى, إلا أنها وللأسف الشديد لم تخصص مقابلها ميزانية لدعم البحث العلمي، أو التكتل لإنشاء مستشفى لمعالجة مرضى السرطان في المملكة، علماً بأنه تم اكتشاف تقنية مضادة لإشعاعات أبراج الهاتف النقال، وهي تقنية حديثة وأصبحت متداولة في بعض الأسواق العالمية من خلال شركات متخصصة، وقد وصلت هذه التقنية لأسواق المملكة لحماية بعض المساكن الخاصة من هذه الاشعاعات، يقال إنها تساهم في التخفيف من حدة الأضرار الإشعاعية للأفراد في المنازل المجاورة أو القريبة لأبراج الهواتف النقالة، والتي أتمنى على شركات الاتصالات المالكة للأبراج أن تشتري هذه التقنية وتقوم بتوزيعها مجاناً على السكان المجاورين لهذه الأبراج، ورغم أنه لم يصدر تقرير علمي رسمي عن الأثر الفعال لهذه التقنية إلا أنها مسجلة في بعض الدول الصناعية الكبرى.
أخي القارئ، لم أطرح هذه القضية والتي تؤدي إلى كارثة صحية في بلادنا لتخويف قرائي، وإنما هي حقيقة مطلوب نقاشها علمياً ومعالجتها سريعاً. وأتمنى أن تتبنى ذلك هيئة الاتصالات السعودية بالتعاون مع بعض الجامعات السعودية ومراكز البحث العلمي، وعلى وجه الخصوص جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، والتي أتمنى أن تقود هذا البحث العلمي بدعم مالي من شركات الاتصالات السعودية.