إذا كان وزير العدل العراقي قد صرح أنه تم الكشف عن 50 ألف موظف وموظفة يحملون شهادات مزورة، فإنه لم يقل سوى نصف الحقيقة، فالأعداد التي لم يستطع الوزير كشفها أكثر بكثير من هذا العدد

(1)
تصور لو أنك وأسرتك تتلقى العلاج الطبي بشكل منتظم عند طبيب استشاري متخصص يحمل شهادات عالمية من كبرى الجامعات البريطانية أو الأميركية لسنوات ومن ثم تكتشف فجأة عبر وسائل الإعلام أن الذي قام بمعالجتك وسهر على صحتك لم يكن غير مضمد تمرجيبسيط لا يحمل أي شهادة طبية عالية ولم يدخل كلية الطب ولم يتخصص في أي لون من ألوان الطب البشري، بل طلع مزورا كبيرا، زور شهاداته الطبية مقابل مبلغ من المال لتمشية حالهبالفهلوةوتفتيح المخ ..وتخيّل أيضا أن استاذك الجامعي الذي تولى تدريسك لمدة أربع سنوات في الجامعة ومن ثم قام بالإشراف على رسالتك الجامعية لنيل شهادة الماجستير والدكتوراه أيضا طلعدجالاضليعا في فن التزوير، زورشهاداته العلمية بكل مهارة وخفة يد وهو في الأصل لا يملك أي شهادة غير شهادة المتوسطة التي لاتخوله حتى الدخول إلى الجامعة فضلا عن التدريس فيها، والأدهى من ذلك والأمرّ أن تتفاجأ أن رئيس الشرطة الذي يسهر على حماية أمنك وأمن منطقتك، لم يكن غيرإرهابي عريق، وحراميّ كبير، يحمي الحرامية والإرهابيين، جاهل، لا يقرأ ولا يكتب، بالكاد يفك الخط، استغل حالة الفوضى الأمنية والقانونية في البلاد، فقفز إلى الواجهة عن طريق المحاصصة السياسية السائدة في البلاد، بشخصية وشهادة مزورة جديدة، وبالطبع دهشتك تكبر وتزداد أكثر وأكثر لو عرفت أن الذي يمثلك في البرلمان أو من يتولى مسؤولية حكومية بارزة وزراء، وكلاء وزارات، مستشارون لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وقادة عسكريون بارزون، قد ارتادوا سوق المريدي(سوق في بغداد متخصصة في تزوير الشهادات بأنواعها وحسب الطلب مقابل مبلغ من المال) وعملوا الواجب على أكمل وجه قبل أن يعينوا مسؤولين كبارا ومن أقطاب النظام في الدولة بشهادات مزورة..
(2)
إذا كان وزيرالعدل العراقي قد صرح قبل فترة أنه تم الكشف عن 50 ألف موظف وموظفة يحملون شهادات مزورة، فإنه لم يقل سوى نصف الحقيقة، وربما أقل، فالأعداد التي لم يستطع الوزير أو أي جهة أخرى رسمية كشفها أكثر بكثير من هذا العدد، جيش كبير من المزورين والمحتالين غزوا دوائر الدولة ومؤسساتها بشكل لم يسبق له مثيل، فشغلوا كل المناصب والوظائف فيها، من الخفير إلى الوزير، ولم تعد المواقع المهمة في الدولة حكرا على وجوه سياسية معروفة، لها تاريخ نضالي وطني مشرف، كما كان الحال، بل أصبحت بيد أناس غرباء لا أحد يعرف أصلهم وفصلهم وتاريخهم السياسي مجهول؛ من أين جاؤوا؟ وكيف قفزوا إلى السلطة ؟ فالكثير من هؤلاء الذين أصبحوا يوصفون بالمسؤولين في العراق الجديد وتبوأوا مناصب مهمة في مؤسسات الدولة يحملون شهادات مزورة ولا يمتلكون الأهلية والخبرة التي تمكنهم من تبوء هكذا مناصب بحسب أحد النواب في دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي، فالقوانين العراقية تقضي على من يتقدم للمشاركة في الانتخابات التشريعية والحكومة تمهيدا لدخوله إلى البرلمان العراقي أومشاركته في الفريق الوزاري للحكومة، أن يمتلك على الأقل شهادة البكالوريوس (الليسانس) فما فوق، ولا يجوز له المشاركة في المناصب السياسية بشهادات أدنى، فماذا يفعل المسكين وهو لايمتلك أي شهادة، غير أن يلجأ إلى أقرب سوق للتزويرلتوظيب شهادة حسب المواصفات المطلوبة، من دون أن تكلفه الكثير، فالشهادات الإعدادية أو الثانوية تكلف صاحبها 1700 دولارا اميركيا وشهادة الدكتوراه تكلفه 7000 دولارا فقط وهذه الأسعار تعتبر بسيطة ولا شيء بالنسبة للعائدات الضخمة التي تعود على أصحابها، فـ الدكتورالمزور يمكن له أن يفتح عيادة طبية في أحسن مكان في البلد ويبدأ بالكشف على المرضى لسنوات دون أن يحس به أحد ويجني من ورائها أمولا طائلة أو إذا حالفه الحظ واستطاع أن يتسلق على أحد الأحزاب المتنفذة أو من خلال إحدى الشخصيات السياسية المهمة ويصل إلى منصب رفيع، فإنه سوف يصبح بين ليلة وضحاها من أصحاب الملايين، يحظى باحترام المجتمع وتقديره، ففي العراق الجديد كل شيء متاح ومباح وعلى عينك يا تاجر، ما دمت تمتلك المال وتحتمي بالقوى المتنفذة وتمشي على هواها ولا تعترض سياساتها، فلا يهمك بعد ذلك إن رشوت أو زورت او قتلت، أو ضبطت متلبسا بالجرم المشهود، فالقوانين بأيد أمينة تحركها كيفما تشاء وفي أي وقت تشاء، وكما لوت ذراع القانونوسمحت لك بالدخول في الحياة السياسية العامة بشهادة مزورة، تستطيع أيضا أن تلويعنق القانون وتصدرعفواشاملا عنك، فكن مطمئنا و..ثق بها.
(3)
يقال إن مستشارا لأحد الرؤساء في العراق قد سئل في مقابلة صحفية بعد ما تبين من التحقيقات أنه لا يحمل غير شهادة الدراسة المتوسطة، ولم يدخل الجامعة أصلا، كيف ينادونهالدكتور، وما هو مجال تخصصه؟ رجوه أن يحل لهم هذا اللغز، فأجاب سيادته فورا ودون تردد وكأنه كان يتوقع مثل هذا السؤال منذ زمان أن شهادة الدكتوراه التي يحملها مختصة بـ .. علوم الجن!