أبها: الوطن

حاولوا إقناعه بالانضمام إلى القاعدة في اليمن لتبدأ رحلة جديدة من الضياع

تكاد أساليب التنظيمات الإرهابية في استقطاب أتباعها تكون متشابهة، فهي تعمل تحت ستار من ظلام الفكر، وتزييف الحقائق، محاولة طمس نداء الوسطية والاعتدال، وتغييب صوت الحوار الصادق الذي لا تقوى على مواجهته لأنها توقن أنه سيعريها ويفضح حقيقتها.
هكذا تسللت خيوط الفكر الإرهابي إلى عقل جابر الفيفي وهو يتنقل بين زنزانات معتقل جوانتانامو، مستغلة الظروف شديدة القسوة التي يرزح تحتها المعتقلون، وغياب أولي العلم والحكمة، لتغرس في نفسه بذور التطرف والتكفير، وتغذي فيه وفي أمثاله روح النقمة والانتقام.
وكشف الحوار الذي أذيع أمس مع الفيفي ضمن برنامج همومنا على القناة الأولى عن مدى خطورة الفكر التكفيري حين يتغلغل في عقول الشباب المغرر بهم، ويسيطر على تفكيرهم وتصرفاتهم، فلا يعودون يقيمون وزنا لأقوال العلماء وأهل الفقه والدراية، وتتملكهم حماسة الشباب وثورتهم فتزين لهم الخروج على ولاة الأمر، والتنكر لمجتمعاتهم التي تغدو في نظرهم كافرة خارجة عن الملة تستحق القتل والإبادة.
وواصل جابر الفيفي العائد من اليمن سرد القصص والمواقف في رحلته من أفغانستان إلى معتقل جوانتانامو وكيف بدأت تتشكل المجموعات الناقمة على كل شيء داخل المعتقلات، وكشف بوضوح كيف ظهرت بذور التطرف بدون علم شرعي والتكفير بلا دليل وراء جدران المعتقلات من قبل عرب وأفغان مسيسين.
يقول: بعد مضي فترة على اعتقالنا في جوانتانامو، ومعاناتنا من ألوان التعذيب الجسدي والنفسي، وقيامنا بإضرابات احتجاجا على سوء المعاملة بدأت إدارة السجن تخفف من بعض قيودها، وسمحت بالكلام بعد أن كان ممنوعا، فكان بعض الشباب ممن يملكون خلفيات دينية بسيطة، وهم من جنسيات مختلفة عربية وغير عربية يستغلون أي وسيلة لإلقاء الكلمات والمواعظ، حتى إن بعضهم كان يستغل فتحة الباب ويحاول رفع صوته قدر الإمكان ليسمعه البقية، فكانوا لا يدخرون وسيلة يمررون من خلالها كلماتهم التي كانت تركز في غالبيتها على الجانب الفكري، ويشيعون لدينا روح الانتقام والتمرد على بلداننا وخصوصا السعودية التي كانت تلقى تحاملا من كثير منهم، مستغلين ظروفنا النفسية السيئة التي كانت حينها مستعدة لتقبل أي شيء، وضعف مستوانا العلمي وعدم وجود من يملكون علما وفقها، فيلقون إلينا بالشبه، ويسوقون أدلة من النصوص طوعوها لتأويلاتهم الخاصة، ويحاولون الاستدلال بأمور واقعية حتى يقنعونا تدريجيا بكفر بلداننا ومجتمعاتنا وتحريم التعامل معهم، حتى لدرجة أنني لما عدت كنت أتردد في أخذ أموال من بعض إخوتي الذين يعملون في بعض قطاعات الدولة بشبهة أنها حرام لا تجوز.
ولندرك مدى خطورة مثل هذه الأفكار حين تجد مكانا لها في العقول الغضة التي لم تتشبع بنور العلم، ولم تتسلح بشيء من الفقه، فإن الفيفي الذي دخل برنامج المناصحة - بعد ست سنوات قضاها خارج المملكة عانى خلالها صنوف العذاب، وألوان التشتت والضياع - وخرج منه تائبا عائدا باحثا عن الاستقرار بعد الضياع، ليتزوج وينجب بنتا ملأت عليه حياته، إلا أنه لم يلبث أن عاودته بواعث الحماسة، وطيش الشباب وعاطفتهم الدينية التي كان تنظيم القاعدة يعرف كيف يستغلها وهو ما حدث عن طريق مندوبهم سعيد الشهري الذي اجتمع ببعض العائدين من جوانتانامو بعد خروجهم، وحاول إقناعهم بالانضمام إلى تنظيم القاعدة في اليمن لتبدأ رحلة جديدة من التشتت والضياع، يسردها الفيفي في حلقة أخرى.
حالة الفيفي الشاخصة أعادتنا للمربع رقم واحد في الحيرة والغموض لفهم كيف تعيش هذه الذهنيات الشابة بيننا بهذه الأفكار الفوضوية والنظرة القاتمة لدورها وعلاقتها بمجتمعها.
الفيفي الباحث عن الخلاص من ماضيه، أغراه رفاقه بالرحيل لأفغانستان ليطيحوا بكيانه الآدمي في أتون صراع أفضى به لمعتقل جوانتانامو ليجرد من أبسط حقوقه الآدمية بسبب الجهاد تحت أي مبدأ وتحت أي ذريعة.
تمت مقايضة الفيفي وعشرات السعوديين بأثمان بخسة، وممن؟ من أناس نذروا أنفسهم هو ورفاقه للدفاع عن قضيتهم، شيء فعلاً كريه أن تتحول السلعة لزيف مبادىء صنعتها رموز المصالح ممن لا يعرفون مبدأ ولا قيمة وليس لديهم قضية.
يذكر أن الفيفي كان أحد المطلوبين على قائمة الـ85 التي أصدرتها الأجهزة الأمنية في السعودية وضمت عددا من الشباب الذين انخرطوا في تنظيمات التطرف والعنف، إلا أنه عاد وسلم نفسه بعد أن مكث فترة في جبال اليمن مع التنظيم في شوال الماضي.