بعد رحلته الروائية الأولى في جمر النكايات العام الماضي يبقى الروائي والإعلامي عدنان فرزات في دائرة الضوء بإصدار روايته الثانية منذ أيام بعنوان رأس الرجل الكبير.
في جمر النكايات توهجت حكايا دير الزور التي نشأ فيها الكاتب بمختلف جدلياتها من انتخاباتها النيابية إلى كواليس حاراتها.. وفي رأس الرجل الكبير تظهر حلب التي أمضى فيها الكاتب شبابه ودراسته الجامعية.
التصاق فرزات بالكتابة عن المكان الذي عايشه، يجعل منه أكثر عمقا وصدقا، وليست مبالغة لو قلنا إن المكان وإنسانه ينبضان بين عباراته. وليست مبالغة أيضا لو قلنا إنه أول روائي تطرّق إلى الأحداث الحالية في سورية محللا أسباب هدوء حلب وعدم اندراج أبنائها بوضوح ضمن المظاهرات المطالبة بالتغيير لغاية موعد صدور الرواية على الأقل. ما يجعلنا نحسّ بأنه دخل لا شعوريا في سباق مع الزمن بالكتابة السردية مستدركا تفاصيل لا يلتقطها إلا من يعرف تكوين المدينة ويدرك أن ما يدور في حاراتها القديمة مختلف عما يفكر به أصحاب الأموال، ولذلك تداخلت الأمور بين رغبة عدم التغيير لدى رجال الأعمال للحفاظ على مكاسبهم، ورغبة التغيير لدى الطبقة الشعبية الحالمة بوضع أفضل مما هي عليه، لكن رغبتها تصطدم بالنخبة المسيطرة اقتصاديا والتي ربما يعيش من العمل في مشروعاتها عدد كبير جدا من الناس.
ومثلما استخدم الروائي الترميز في جمر النكايات ليصل إلى إسقاطات سياسية، فإنه لجأ إليه في رأس الرجل الكبير للغرض نفسه. غير أن الإسقاطات الأخيرة أكثر شمولية وجرأة. والتحولات في حياة النحات الريفي صهيب الذي بدأ مزورا للقطع الأثرية مع عصابات التهريب وصار تاجرا ثريا ليست إلا تعبيرا عن حالات كثيرة من متسلقين وصلوا أعلى المراتب بطرق غير مشروعة، وما تكليف صهيب بالبحث عن الرأس المفقود لتمثال عثرت البعثات الأثرية على جسده إلا محاكاة لواقع تسوده الفوضى. وفي حواريات الثري والرأس تحضر السلطة في المشهد السردي بكل متناقضاتها.
أخيرا، من يعرف عدنان فرزات عن قرب، يعرف أنه لا يحب اليأس، ولذلك غرس بذرة صغيرة لأمل الإصلاح منطلقا من شخص الثري جاعلا إياه يريح ضميره قليلا بتوزيع صدقات من ماله على الفقراء.