أكثر من يفرح بالعيد هم الصغار، ولكن أزعم لنفسي أن هذا العيد مميز. فهو فرحة الكبار مثل الصغار. أعتقد أن العرب ارتاحوا من كابوس القذافي في هذا العيد فيحق لهم أن يفرحوا بزواله غير مأسوف عليه. والأهم دخول العرب مرحلة جديدة من الحراك لم تحدث ربما من قرون. لذا كان هذا العيد له دلالته العميقة، أن يفرح العرب بعد حزن وقنوط ويقولوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور.
أعترف للقارئ أن كثيراً من مناسبات الأعياد السابقة كانت مقترنة بالأحزان، وفي عام 1973م قضيت عيدين محبوساً للمخابرات العامة في دمشق فرع 273 ونحن نعيش أياما عصيبات من تعذيب الناس وإهانتهم. هي اليوم أيضاً تحمل الحزن لبعض العائلات في سورية وليبيا واليمن ومصر وتونس بما خسرت من أناس يحبونهم التحقوا بعالم الآخرة في وقت مخصص للحياة هو للشباب؛ فماتوا في التظاهرات الاحتجاجية، ولكن مايخفف المصاب أنهم ماتوا ليس في فتن طائفية مذهبية بل في قضية اجتماعية مصيرية من تغير الوطن من حال إلى أفضل.
في الواقع العيد رمز عظيم لولادة الأمة الجماعية بفرح أنها أنجزت الانتصار على النفس فحرمتها من الغذاء والشراب ومتعة الفراش شهراً كاملاً. ولكن هذه المرة كانت الشعوب تصوم أيضاً عن الطعام وتفطر أحياناً على الشهادة في سبيل الله وتتسحر على مزيد من أنغام الرصاص الحي مع أذان الفجر. هكذا قضى الناس في سورية أيامهم يحتفلون بالموتى والجنازات تشيع كل يوم. إنه منظر مفجع من جانب ويعطينا الفكرة الأساسية عن عمق الأزمة التي تعيشها الأمة، وأن الصراع الداخلي أو الجدل الجواني هو الأساسي وأن الصراع مع الخارج والعدو الأجنبي سهل بسيط. في 23 أغسطس 2011م اتصل بي راديو كندا وأنا في مونتريال يسأل عن رأيي فيما يحدث فقال المذيع هل كنت تتوقع الانفجار الذي حصل؟ فكان جوابي بالنفي. ولما سألوني عن نظرتي للمستقبل قلت لهم العقل العلمي يقول إن كل الخيارات موجودة ومحتملة ولكن الأمل كبير في أن تمشي الشعوب نحو الأفضل؛ فهذا هو قدر الكون أن يمضي نحو الأفضل، وأن الزبد يذهب جفاء، وما ينفع الناس يمكث في الأرض.
قال لي الهاروني المذيع لماذا كنتم في حالة تشاؤم؟ فكان جوابي أنني تعلمت من الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه أن التشاؤم علامة انحطاط وأن التفاؤل سذاجة وسطحية وأن الأمور تولد من رحم المعاناة.
افرحوا ياعرب واعلموا أنكم تنتسبون لأمة عظيمة سوف تدخل مسرح التاريخ قريباً موحدة رائعة بأنفاس معطرة من الحرية بأوضاع سياسية مشرفة وزوال عهد الطغيان.
إنه عيد مميز يحق لنا أن نفرح فيه في عام 2011 م ـ 1432 هـ أليس كذلك؟