نتيجة لغياب أو تغييب المستشارين المؤهَّلين؛ تلجأ الكثير من مؤسساتنا الوطنية للاعتماد على الاستشارات الخارجية، في إشارةٍ غير مباشرةٍ إلى ضعف إداراتها واستشاراتها الداخلية.
وما دامت عادتنا هي الاعتماد على الآخر في: منازلنا ومدارسنا وأسواقنا ومؤسساتنا الخاصة وجميع أعمالنا, فما الذي يمنع (مديرينا) من التوجُّه إلى الاعتماد أيضًا على(الآخر)؛ ليُريحوا أنفسهم تمامًا، طالما أنَّ ثقافة (الآوت سورس) السائدة لا تستنكر ذلك.
وقد يكون (الآخر) هذا للأسف مجرَّدَ مكتب استشاراتٍ بسيط، يجد في كلمة (استشاري) بُعدًا اجتماعيًّا، ودخلا مغريًا، يعيشهما دورًا وتقمُّصًا, أو بيت خبرة أجنبيّ باسمٍ كبير، يبيع علينا بالملايين حلوله الجاهزة، البعيدة عن ثقافتنا واحتياجنا, ويجد من مصلحته المستقبلية المحافظة على نقاط ضعفنا، كي تظل حاجتنا له قائمة.
ولـ جيمس أوشيا مؤلف كتاب (صاحبٌ خطِر) الذي ينتقد فيه دجل أغلب بيوت الخبرة, رأي رائع يقول: (الجهل يغري بالاستغلال والضعف يغري بالإذلال, والفكر الإداريُّ غير القادر على إنتاج الإبداع لسنا في حاجةٍ إلى من يفكر نيابة عنه) ونضيف عليه: بل نحن في حاجةٍ ماسَّةٍ إلى بديلٍ تامٍّ له. ولذلك فإنَّ وجود (المدير/ المستشار/ صاحب الخبرة والكفاءة والإبداع) أهمُّ من (مستشارٍ خارجي) لا يملك من المعرفة العمليَّة ربع ما لدى بعض موظفينا، وأكثر أهميَّةً من التعاقد مع مؤسسات استشارةٍ أجنبيَّةٍ، تأتي بحلولها الجاهزة لتتعلَّم في (رؤوسنا الإداريَّة) وتُخرِّج متدربيها بنجاحٍ على حساب تأهيل (مديرينا). بل إن وجوده ضرورة لكي لا نكون ضحيَةً للاستغلال أو الإدمان على الحلول الأجنبيَّة.
تتويت:
الاستشارات الإدارية الخارجية تكلِّف الملايين، وتقضي على إبداع المديرين، وقد تعيدنا باستشارتها إلى الوراء, وما لم نُفعِّل دور (المستشار الإداري) في مؤسساتنا الوطنية؛ فإنَّ الهدر المالي والإداري والاعتماد على الآخر سيظلُّ قائمًا, وستظل قدراتنا الإدارية والاستشارية أقل من أن تنتج المعرفة وأضعف من أن تنقلها.