ظهرت في مجتمعنا منذ مدةٍ ليست باليسيرة عادة إرسال بطاقات المُعايدة الورقية التي جرت العادة أن يُرسلها الإنسان

ظهرت في مجتمعنا منذ مدةٍ ليست باليسيرة عادة إرسال بطاقات المُعايدة الورقية التي جرت العادة أن يُرسلها الإنسان، ولاسيما من المسؤولين لبعض إخوانه أو أصدقائه أو أقاربه أو زملاء العمل أو المعارف أو غيرهم من الناس، لتهنئتهم بمناسبة العيد في جُملٍ مُنتقاة وكلماتٍ مُختارة. ومع انتشار استخدام الهواتف النقالة ظهرت (رسائل الجوال) التي يتبادلها الناس بأنواعها المختلفة في كثيرٍ من المناسبات، حاملةً عبارات التهنئة والتبريك، ونحو ذلك.
وعلى الرغم من انتشار بطاقات التهنئة وكثرة استخدام رسائل الهاتف الجوال بشكلٍ واسع الانتشار؛ إلا أنها لا تؤدي - في حقيقة الأمر - إلا النزر اليسير مما ينبغي أداؤه في مثل هذه المناسبات ولاسيما مناسبة العيد؛ لأن الأصل في العيد التزاور واللقاء والفرح والبهجة، وأُنس الأخ بإخوانه وأحبابه، وهو ما لا يمكن أن تؤديه هذه البطاقات والرسائل؛ إذ إن دورها لا يتجاوز تذكير الإنسان تذكيرًا خاطفًا بمن أرسلها، وربما جاء هذا التذكير بعد مرور المناسبة بأيامٍ عدة تبعًا لظروف الإرسال والاستقبال.
وحتى أكون منصفًا فإن إرسال بطاقات المعايدة أو الرسائل مسألةٌ قد تدعو إليها بعض الظروف، ولاسيما عندما يتعذر على الإنسان الوصول إلى الآخرين، فيمكنه الاكتفاء بإرسالها، لكونها خيرًا من القطيعة والنسيان، ولأنها في هذه الحال أفضل من عدم التهنئة بالكلية، ثم لأن المثل يقول: نصف رغيف أفضل من لا شيء؛ إلا أن علينا جميعًا ألا ننسى أن لخطوات الأقدام مناسبات لا تُغني عنها عبارات الأقلام، وأن إرسال بطاقات المعايدة ورسائل الجوال لا يُغني أبدًا عن زيارة الأهل والإخوان، والالتقاء بالأصدقاء والأقارب، ولاسيما أن لحظات اللقاء وبهجة الالتقاء تُدخل على القلوب السعادة والسرور، وتُزيل من النفوس الضغائن والأحقاد، وتعمل على تجديد الذكريات، وهي - بإذن الله تعالى - سبيلٌ إلى نبذ الفرقة وإزالة العداوات، وإصلاح النفوس وجبر الخواطر، كما أنها كفيلةٌ برسم البسمة على الشفاه، وزرع المحبة والأُلفة في النفوس.
يُضاف إلى ذلك كله ما في تبادل الزيارات من تجديد العهد بالآخرين، وسماع عبارات التهنئة منهم، وتصافح الأيدي، وتواجه العيون، وتقارب النفوس. وكل ذلك لا تؤديه بطاقات المعايدة ورسائل الجوال الصامتة، مهما رَقَّت كلماتها وحَسُن شكلها وارتفعت تكلفتها.
فيا أيها الأحباب: لتكن أعيادنا أعياد محبةٍ ووفاء، وسعادةٍ وإخاء، وتزاورٍ وصفاء، وبهجةٍ باللقاء.
ويا إخوة الإيمان: لماذا لا نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، فنستغني عن البطاقات والرسائل المكتوبة بالخطوات المأجورة، والعبارات الصامتة بالكلمات الصادقة؟! فقد صحَّ عن معلم الناس الخير صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غُفر لهما قبل أن يفترقا (رواه الترمذي).
لماذا لا نُحاول أن يكون لأعيادنا طعمٌ ونكهةٌ اجتماعية كما كانت عند من هم قبلنا من الآباء والأجداد؟
ولماذا لا يقتصر استعمالنا لهذه البطاقات والرسائل على بعض الحالات التي لا غنى عن استعمالها فيها؟
ختامًا: أسأل الله تعالى لي ولكم ولأمة الإسلام في كل مكان عيدًا سعيدًا وعودًا حميدًا. وعاد عيدكم يا أبناء الإسلام في كل مكان، وكل عامٍ ونحن وأنتم بخيرٍ وسلام وأمنٍ وأمان.