هناك العديد من المواقف التي تمر بنا في حياتنا اليومية دون أن نلقي لها بالاً، أو نعيرها اهتمامًا. في حين أنها تحتاج منا إلى وقفاتٍ طويلة لتأمُلها وتدبر معانيها، واستلهام عبرها.
هناك العديد من المواقف التي تمر بنا في حياتنا اليومية دون أن نلقي لها بالاً، أو نعيرها اهتمامًا. في حين أنها تحتاج منا إلى وقفاتٍ طويلة لتأمُلها وتدبر معانيها، واستلهام عبرها.
ولعل من أبرز ما هو مألوفٌ في مجتمعنا ولاسيما في أيام هذا الشهر الكريم ولياليه أن يرى أحدنا فقيرًا أو مسكينًا أو محتاجًا، فيمد يده له ببعض المال ولو كان قليلاً مبتغيًا بذلك وجه الله سبحانه وتعالى، وطامعًا في الأجر والثواب المترتب على تلك الصدقة، ثم يولي مدبرًا في حين ينطلق لسان ذلك المسكين بالدعاء الذي لا يملك سواه؛ في محاولة منه لرد الجميل والاعتراف بالفضل لذلك المُحسن أو المتصدِّق.
هنا لا بد لنا من وقفة متأنية نتأمل فيها مثل هذا الموقف ونتساءل: مَن هو الرابح مِن الاثنين، ومن الأكثر ربحًا والأعظم فائدة؟
أهو الفقير الذي قبض شيئا يسيرًا من المال وأصبح في حوزته؟
أم المتصدق الذي جادت نفسه ببعض ما يملك فربح تلك الدعوات، التي ربما خرجت من قلبٍ صادقٍ وفؤادٍ مكلوم، مرتفعةً إلى الله سبحانه ليجيبها ولو بعد حين؟!
لاشك أن الرابح الحقيقي هو ذلك (المتصدق) الذي بذل شيئًا قليلاً مما أعطاه الله تعالى مبتغيًا بذلك وجه الله سبحانه، وطامعًا في مرضاته؛ لأنه إنما يفعل ذلك وهو يؤمن تمامًا أن ما تصدق به سيعود عليه بالخير الكثير، والنفع العميم في الدنيا والآخرة انطلاقا من إيمانه بقوله تعالى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (سورة سبأ: من الآية 39).
وقوله سبحانه: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (سورة البقرة : 274).
وليس هذا فحسب، فقد جاء في الحديث الشريف عند الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أنفق نفقةً في سبيل الله كُتبت له بسبعمئة ضعفٍ.
وهنا تحضرني مقولة رائعةٌ لفضيلة الشيخ علي الطنطاوي (رحمه الله تعالى) يحث فيها على المسارعة إلى الخيرات، والمسابقة إلى البِر والإحسان من خلال الصدقة على الفقراء والمساكين والمُحتاجين، فيقول: بالله عليكم يا رجال المال، هل رأيتم مشروعًا كهذا سواءً كان مصرفاً أو شركةً، الربحُ فيه المئة بسبعين ألفًا، والله يُضاعف لمن يشاء.
وليس هذا فحسب، فإن مما يلفت النظر ويستوجب التأمل أن هذه الصدقات تُقابل بالدعاء السري أو العلني الذي تلهج به ألسنة هؤلاء المساكين والمحتاجين الذين ربما يكون منهم من لو أقسم على الله لأبره واستجاب له ليرد ذلك الدعاء عن المتصدق ـ بإذن الله تعالى ـ من البلايا والمصائب ما قد يخسر لأجله أضعاف ما تصدق به.
أين نحن من هذا الخير العظيم الذي يعطيه الله تعالى لكل متصدقٍ يبتغي بصدقاته ما عند الله؟
ولماذا لا نحرص على الصدقات السرية التي تجعلنا ـ بإذن الله تعالى ـ من أول أهل الجنة دخولاً إليها؟
ولماذا لا يُحدد كل إنسانٍ منا جزءًا من دخله الشهري مثلاً ليكون صدقةً جاريةً بإذن الله تعالى، ويصرفها بشكلٍ مستمرٍ في أحد أوجه الخير؟
ولماذا لا نغتنم الأوقات الفاضلة والمناسبات المباركة كأيام وليالي شهر رمضان المبارك الذي تُضاعف فيه أجور الصدقات؟
ولماذا لا نحرص على الصدقة الطيبة التي جاء الخبر في الحديث الشريف أن الله تعالى يقبلها ويأخذها بيمينه فيُربيها حتى تكون أعظم من الجبل، فهل هناك أروع من أن تضع شيئًا مما أعطاك الله في يده سبحانه؟
وفق الله الجميع لمرضاته، ويسر لهم سُبل البذل والعطاء في سبيله تعالى، والحمدلله رب العالمين.