عاد الهدوء وخفتت حدة التلاسن بين رئيس الوزراء ديفيد كاميرون ووزيرة الداخلية تيريزا ماي حول الحرائق التي هزت صورة بريطانيا.
ولتفسير ما حدث، دعونا لا نسلم جدلا بتلك الأسباب التي اختلفت عليها وكالات الأنباء التي تباينت ما بين ضعف الشرطة ووحشية رجال الأمن واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. بل لا بد أيضا ألا نستثني التفسيرات الأخرى المحتملة. فمن عاش في بريطانيا يعرف جيدا ما هي وما حدود أمنها، ولا يمكنه التصديق بسهولة بحرق الشوارع بتلك الطريقة.
لذا يجدر التأكيد على أنه على مدى مئات السنين لم تشهد بريطانيا سوى حدثين لأعمال حرق ونهب. الأول حدث في أعقاب حريق لندن الكبير عام 1666The Great fire of London والآخر مع قصف إنجلترا في الحرب العالمية الثانية.
والمتأمل لصور المتورطين في الأحداث الأخيرة، يجد أنه لا وجود للوحات أو لافتات تعكس مطالبهم، ولا هتافات أو شعارات. فقط ما وصلنا عبر الوكالات هو شغب واضطراب وحرائق يقف وراءها شباب ملثمون.
في مثل هذه الأحداث وفي فن المراوغات السياسية نقف على حقيقة مهمة، وهي أن التحولات المتعمقة تحدث تغيرات في موازين الأمور بعد اكتشاف حقائقها المستترة. فقبل أقل من 10 أيام من تلك الحرائق، طرح في البرلمان سؤال صعب حول من يقف داعما لقضية التجسس التي تورطت فيها صحيفة نيوز أوف ذي وورلد التابعة لإمبراطورية مردوخ. فكانت الإجابة فضيحة أخرى، وهي ثبوت تستر الشرطة. وبعد أيام، ودون سابق إنذار، تحولت الأنظار واهتمام الرأي العام بتلك الفضيحة إلى أحداث الحرق والنهب.
هنا يجب الحذر من التعميمات التي يتسع نطاقها في تحديد المسؤولية في هكذا أحداث، فالشرطة البريطانية رابط أكيد ما بين القضية الأولى والثانية. ولذلك فالمنتظر للخروج من هذا المأزق الكبير، هو الإطاحة بمدير شرطة لندن مسحا للعار الأمني. وهذا ما أتوقعه خلال الأيام المقبلة.