هناك دول ذات عنفوان وحضارة سلب الله حكم من هم عليها على أهون سبب،لأنها إرادته سبحانه، وعندما يريد فلا راد لقضائه

تداعيات الأحداث التي مرت وتمر في أكثر من بلد عربي،وما خلفته وستخلفه من نتائج تجعلنا بلا أدنى شك نكرر أن الله سبحانه هو الذي يعطي المُلك، وهو الإله الحق الذي ينزعه. يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي ـ أحد أشهر مفسري معاني القرآن الكريم في العصر الحديث ـ قول الحق: {وَتَنزِعُ ?لمُلكَ مِمَّن تَشَآءُ} يجعلنا نتساءل: ما النزع؟ ويجيب ـ رحمه الله ـ إنه القلع بشدة. ويضيف أن المَلِك عادة ما يكون متمسكا بكرسي المُلك، متشبثاً به،بحيث يصعب على من يريد أن يخلعه منه أن يخلعه بسهولة. ويصنف الحكَّام فيقول إن بعضاً ممن يجلسون على الكرسي ينظرون إليه كمغنم بلا تبعات؛ فلا عرق ولا سهر ولا مشقة أو حرص على حقوق الناس.. وينتقل إلى ما يحكمونه فيبين أن دولاً ذات عنفوان وحضارة سلب الله حكمهم عليها على أهون سبب، لأنها إرادته سبحانه، وعندما يريد لا راد لقضائه. ثم يستفيض في معاني قول الحق: {وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ}، فيقول محذراً: ظواهر الكون لا تقتصر على من يملك فقط، ولكن تتعدى إلى من سماهم بملوك الظل،وهم الذين يتمتعون بنفوذ الحكام وإن لم يكونوا ظاهرين أمام الناس، ومنهم يأتي معظم الشر.. تراهم يستظلون ويستترون بالحاكم، ويتمتعون بجاهه ونفوذه،ويفعلون ما يشاءون، أو يفعل الآخرون لهم ما يأمرون به، فإذا ما انتهى الحاكم، ظهروا على السطح.
وبحكمته المعتادة، يقول الشيخ الشعراوي: إيتاءُ المُلك في أعراف الناس خير، ونزعه في أعراف الناس شر. ولهؤلاء نقول: إن نزع الملك (شرٌ) على من خُلِعَ منه، وقد يكون (خيراً) لمن نُزع منه أيضا. لأن الله حين ينزع منه الملك وينزعه منه يخفف عليه مؤونةَ ظلمه. فلو كان المخلوع عاقلاً، لتقبل ذلك، وقال إن الله يريد أن يخلصني لنفسه لعلي أتوب. ويطلب منا الشيخ أن ننظر إلى الجزئيات في الأشخاص، وننظر إلى الكليات في العموم، وسنجد أن ما يجري في كون الله من إيتاءِ الملك وما يتبعه من إعزاز، ونزعِ الملك وما يتبعه من إذلال ظاهرة خير في الوجود، ولذلك قال سبحانه في سياق الآية: {بِيَدِكَ ?لخَيرُ إِنَّكَ عَلَى? كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ}. ويكرر الطلب قائلاً: لو دقق كلٌ منا النظر إلى مجريات الأمور، لوجد أن الله هو الذي يؤتي، وهو الذي ينزع، والله هو الذي يعز، وهو الذي يذل، ولا بد أن تكون في كل ذلك صور للخير في الوجود. وقبل أن يختم خواطره التفسيرية عن قوله تعالى: {قُلِ اللهم مَالِكَ ?لمُلكِ تُؤتِي الملك مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ?لمُلكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ?لخَيرُ إِنَّكَ عَلَى? كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ} يؤكد على أن إيتاء المُلك كما أنه عملية تحتاج إلى تحضير بشري،ومعونات بشرية، وأحيانا انقلابات عسكرية، وتغييرات سياسية، فكذلك نزعه يحتاج إلى نفس الجهد. ثم ينهي ـ رحمه الله ـ ما نقلته بتصرف يسير، قائلاً إن الحق سبحانه يوضح لنا الأمر، فيقول ليس ذلك الإيتاء أو النزع،وليس ذلك الإعزاز أو الإذلال بأمرٍ صعب على قدرتي اللانهائية، لأنني لا أتناول الأفعال بعلاج، أو بعمل، إنما أقول: {كن فيكون}؛ فتنفعل الأشياء لإرادتي وحدي. ولذلك أتى الحق في ختام الآية ليدلل بنواميس الكون وآيات الله في الوجود على صدق هذه القضية فقال: {إِنَّكَ عَلَى? كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ}.
حكمة:
رُبَّما أَعطاكَ فَمَنَعَكَ.. وَرُبَّما مَنَعَكَ فأَعطاكَ.