جهازا جوال نوكيا قيمة كل منهما 150 دولارا، طابعتان (HP) قيمة كل منهما 300 دولار، بالإضافة إلى الشحن والنقل ومصاريف متنوعة أخرى مجموعها 4,200 دولار. ذلك كل ما كلفتنا إياه عملية النزيف ... من ناحية أخرى، فإن هذه المؤامرة التي تم إحباطها، كما يحب بعض أعدائنا أن يسموها، ستكلف دون شك أميركا والدول الغربية الأخرى مليارات الدولارات في إجراءات أمنية جديدة. بهذه العبارات افتتحت مجلة (إنسباير) الإلكترونية الإنجليزية التي يصدرها تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية مقالها الرئيسي في عددها الأخير. وبالطبع فإن المقال يتحدث عن محاولة التنظيم مؤخراً تفجير طائرات باستخدام طرود مفخخة، ويتحدث بشكل خاص عن التفاوت الكبير بين تكاليف تنفيذ هجوم إرهابي والتكاليف الهائلة التي تدفعها الدول الغربية لاتخاذ إجراءات دفاعية تحميها من مثل هذه الهجمات. وتحذر المجلة من أن الهجمات المستقبلية ستكون أصغر، ولكن أكثر تواتراً.
وقد نشرت مؤسسة ستراتفور للأبحاث في أواخر نوفمبر تقريراً جاء فيه أن تركيز القاعدة على استنزاف الاقتصاد الأميركي ليس جديداً. فمنذ البيان الأول الذي أعلن فيه أسامة بن لادن الحرب على الولايات المتحدة، ربط تنظيم القاعدة بين الهجمات وبين الاقتصاد الأميركي، وذلك لقناعته بأن القوة الاقتصادية هي مفتاح القوة العسكرية الأميركية، ولذلك فإن إضعاف الاقتصاد الغربي سيمهَّد الطريق نحو تحقيق النصر. وفي أكتوبر 2001، بُعيد تنفيذ هجمات سبتمبر الإرهابية، أكد بن لادن في لقاء تلفزيوني على الخسائر الباهظة التي تكبدها الاقتصاد الأميركي نتيجة الهجمات، حيث إن خسائر وول ستريت وصلت 16%، وقدَّر زعيم القاعدة إجمالي خسائر وول ستريت بحوالي 640 مليار دولار، وإذا أضيفت إليها تكلفة مشاريع البناء وغيرها فإن الخسائر تصل إلى تريليون دولار. وفي خطابه الموجه إلى الشعب الأميركي في أكتوبر 2004 أشار بن لادن إلى أن هجمات 11 سبتمبر كلَّفت تنظيم القاعدة جزءاً بسيطاً من الأضرار التي لحقت بالولايات المتحدة. فقد أنفق تنظيم القاعدة نصف مليون دولار على الهجمات فيما خسرت أميركا أكثر من 500 مليون دولار.
كما أن تنظيم القاعدة انتقل فيما بعد إلى التركيز على إحدى أهم نقاط ضعف الولايات المتحدة: اعتمادها على النفط. ومع أن بن لادن قال في 1996 إن الهجوم على النفط ليس من أهدافه لأن النفط يُمثل ثروة إسلامية كبيرة وقوة اقتصادية مهمة للدولة الإسلامية القادمة، إلا أن أهمية الحرب الاقتصادية جعلت الهجمات على المنشآت النفطية أكثر جاذبية للتنظيم. كما أكد بن لادن لأتباعه في ديسمبر 2004 أن الهجمات يجب أن تتركز على منشآت إنتاج النفط لأن ذلك سيكون له تأثير قاتل على الاقتصاد الغربي. وقد حاول تنظيم القاعدة بالفعل تنفيذ هجمات ضد بعض المنشآت النفطية كان أهمها المحاولة التي جرت في فبراير 2006، عندما هاجمت مجموعة من الإرهابيين التابعين لتنظيم القاعدة مصفاة أبقيق التي تديرها شركة أرامكو السعودية، لكن قوات الأمن السعودية تمكَّنت من إحباط المحاولة قبل أن يتمكن الإرهابيون من تحقيق أهدافهم. ولا شك أن نجاح أي هجوم كبير على إمدادات النفط سيكون له آثار اقتصادية هائلة على الولايات المتحدة الأميركية التي تستورد حوالي 11% من نفطها من المملكة العربية السعودية.
وأخذت إستراتيجية القاعدة منحى جديداً بعد انهيار الاقتصاد الأميركي في سبتمبر 2008.حتى قبل أن يعلن تنظيم القاعدة عن إستراتيجيته الجديدة المبنية على تنفيذ هجمات صغيرة وأكثر تواتراً، فإن وثائق التنظيم كانت تبيِّن الاتجاه الذي تسير نحوه هذه الإستراتيجية.
بالنسبة لتنظيم القاعدة فإن إظهار الولايات المتحدة الأميركية في موقف ضعيف يضعف هيبتها ويجعلها تبدو قابلة للسقوط. في مارس الماضي، تساءل أنور العولقي، عالم الدين المتطرف الذي يرتبط مع تنظيم القاعدة، عن مدى قدرة وزارة الخزانة الأميركية على التحمل، وذلك بعد شهور قليلة من فشل الشاب النيجيري عمر فاروق في تفجير طائرة ركاب كانت متجهة إلى ديترويت يوم عيد الميلاد. وأكد أنور العولقي أن هجمات 11 سبتمبر والحرب في العراق وأفغانستان والعمليات المتفرقة التي يقوم بها الجهاديون هنا وهناك سوف تستنزف الخزانة الأميركية وتكلفها مليارات الدولارات.
ويضيف تقرير ستراتفور أن المسألة ببساطة هي أن الأمن يكلف غالياً، ورفع سقف هذه التكاليف هو أحد الأساليب التي يتَّبعها تنظيم القاعدة لضرب الاقتصاد الغربي. ويخلص التقرير إلى أن هذه الإستراتيجية التي تتبعها المنظمات الإرهابية، والتي تعتمد على الاستنزاف الاقتصادي، صحيحة بالتأكيد، وإذا تم حساب الأمر من الناحية الاقتصادية فإن تنظيم القاعدة يحقق نصراً في هذا المجال. وفي جميع الأحوال، يقول التقرير إن على الدول الغربية ألا تهمل خطورة الإستراتيجية الاقتصادية لتنظيم القاعدة وأن تحاول التعامل معها بأساليب مبتكرة لحرمان التنظيم والجماعات الإرهابية الأخرى من تحقيق أي نصر يمكن أن يرفع معنويات عناصرها ويساعدها على البقاء والاستمرار.