تكمن الفتنة الإعلامية القادمة في أننا قد نشاهد كبار الصحابة عليهم رضوان الله، تمثيلاً على شاشة التلفزيون. أولاً، هذا من انتهاك جلال الصورة والقدوة، مثلما هو ثانياً تشويه عبثي في انتقاء لنسخة واحدة من التاريخ، ونحن نعلم تماماً أن تاريخ هؤلاء الكبار العظام قد كتب بألف نسخة وفي الكثير منها تشويه متعمد بما يخدم أجندات المذاهب التي افترقنا فيها من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على بضع وسبعين فرقة. أنا مؤمن، وهذه قناعتي، أن هؤلاء العظام الكبار الذين دخلوا دين الإسلام وبعضهم في نهايات العمر قد حصلوا على طهارة إلهية من أوثان ورجس الجاهلية، وأن الله عز وجل قد طهر قلوبهم واصطفاهم وغيّر كل ما بهم، فما هي الإضافة التي سيصبغها هذا العبث الفني؟ وأي نسخة من نسخ التاريخ المغلوط هي التي سيذهب إليها صلب هذه الأعمال الدرامية؟
والقصة أننا وصلنا إلى العظم، حد الوصول، إلى أن يكون، رسول الله صلى الله عليه وسلم محل نقاش، لأن يكون جوهر عمل فني محتمل، وإن سمحت الذائقة العامة أو استساغت ظهور خلفائه الكرام البررة هذا العام فما الذي سيوقف تهيئة هذه الذائقة لأن يكون المصطفى صلى الله عليه وسلم على الطريق في العام القادم؟
كيف سيظهر الصديّق أو الفاروق على الشاشة، وتحت قلم أي ـ سيناريست ـ سيكونان؟ هما سيكونان بالضبط بنفس ما كذبنا عليهما من نسخ التاريخ، وهما على الإطلاق لن يكونا كما كانا وكما عاشا، لأن آلاف الأوراق الصفراء من كتب التاريخ لم تتركهما مثلما كانا بالضبط؟ هؤلاء العظام هم ضحايا إضافاتنا المزورة بلا استثناء، ولا يقل أحدكم إنني لا أقرأ التاريخ. كل نسخة منه تقابلها النسخة النقيض، وكلتا النسختين لن ترقى إلى اليقين الذي كان عليه هؤلاء الذين غيروا بعظمتهم تاريخ البشرية. كيف سيكون الصديق والفاروق في أستوديوهات طهران؟ وعلى أي صورة سيكونان من أستوديوهات القاهرة؟ نحن بهما إنما نخوض وعلى حسابهما معاركنا المعاصرة، لأنهما بالاختصار الشديد: عاشا الفترة التي كان فيها الإسلام نسخة واحدة، ومعتقداً واحداً، وسنة واحدة، فيما نحن اليوم ألف نحلة وفصيل وطائفة ومذهب، وكل فرقة تزعم أنها ـ هم ـ كما كانا، ونحن على مسافة منهما بألف وأربعمائة عام من السير على الأقدام. هؤلاء العظام لا يصلحون للتلفزيون.