إذا لم يفهم ويحلل المثقف العربي ما يصله عبر وسائل الإعلام فكيف يكون مثقفاً؟
أحياناً تجد مثقفاً قد سلم نفسه لوسيلة إعلامية أو مجموعة وسائل عربية هي مصدره الذي يعتمد عليه في فهمه للواقع، حتى إنك تستطيع –أحياناً- أن تعرف الصحيفة أو القناة التي يعتمد عليها بعض المثقفين في معرفة الواقع من خطابه الإعلامي، وهنا حقائق مهمة تُعين المثقف على بناء مبادئ خاصة واضحة يمكن من خلالها التعامل مع المنتجات الإعلامية التي يتفاعل معها في الواقع:
أولاً: وسائل الإعلام الجماهيري لا تقدم إعلاما بالمعنى الصحيح للإعلام، وإنما تقدم إعلانا (مع التفاوت في الاحترافية والوضوح) عن أشخاص وأنظمة وحكومات وأفكار وقيم، حسب ما يمليه المالك الحقيقي لهذه الوسائل (القوة المهيمنة).
ثانياً: الجمهور الواعي عندما يتعامل مع هذه الوسائل لا يتعامل معها بصفتها وسائل محايدة أو عامة تلبي حاجات المجتمع وتتحدث باسمه واحتياجاته وهمومه، إنما هي –غالباً- تابعة للحكومات وتدور في إطارها الذي رسمته لها، والعقلاء مطالبون دائما بالبحث عن الملاك الحقيقيين لهذه الوسائل، والتعامل مع المنتجات على أنها ممثلة لمالكها الحقيقي، ولو نجح المؤثرون الشعبيون العرب في قراءة توجهات الحكومات من خلال توجهات وسائل الإعلام لنجحوا في تحقيق نسبة كبيرة من واجباتهم.
ثالثاً: ما يقدم في كل وسائل الإعلام العربية ليس انعكاساً لما يجري في المجتمعات غالباً؛ وإنما هو المعنى الذي يصوغه الإعلامي لبعض ما يحدث في المجتمع. وهذا يعني أن العمل الإعلامي كغيره من الأعمال البشرية: (انتقائي، متحيز لفكره، ضيق: ينظر من زاوية واحدة).
رابعاً: إن أبرز وظائف الإعلام المعاصر: ترتيب حاجات المجتمعات – حسب وجهة نظر القوى المهيمنة - ودفعها إلى قائمة الأولوية لدى عامة الناس، وأحيانا عقلائهم!.
خامساً: الكثير من الإعلاميين الذين يجوبون الطرقات والشوارع، ويحشرون أنفسهم في كل حدث هم العامل الأخير في تحقيق هذه الأجندة، وهم غالباً فئة قليلة الخبرة وصغيرة السن، ويغلب عليها الجهل بالأنظمة والقيم المجتمعية، لكن درجة تقدير جهدهم مادياً ومعنوياً مرتبطة بكم المعلومات التي يجلبونها.
سادساً: أحد العوامل المهمة - من الدرجة المتوسطة - في تحقيق الأجندة هو إدارة التحرير والمحررون أو المعدون الذين يؤدون مهمة صفصفة الفتات الذي جمعه فريق المراسلين وتنميقه ودعمه بالعناوين والصور وإتمام السناريوهات المفقودة، وإدخاله طوعاً أو تعسفاً تحت ما يسمونه سياسة الوسيلة وشخصيتها المميزة، وبعض هؤلاء يدرك تفاصيل الأجندة وغالبهم لا يعرفها وإنما يعرف التوجهات العامة - المقبول والمرفوض - للقيادة الإعلامية في المؤسسة، ولعل الصعود والهبوط في هذه المجموعة مرتبط بدرجة تفهم الأجندة وخدمتها دون التعليق أو محاولة التكهن بمصدرها.
سابعاً: العامل الحاسم في الأجندة هو حراس البوابة في الوسيلة الإعلامية.
ثامناً: هذا تحدٍ للمثقفين أن ينتزعوا من الإعلاميين الاعتراف بالحقيقة التالية: إن ما يقدم في وسائل الإعلام ليس انعكاساً لما يجري في المجتمع؛ وإنما هو المعنى الذي يصوغه الإعلامي في وسائل الإعلام لبعض ما يحدث في المجتمع. وإن العمل الإعلامي كغيره من الأعمال البشرية: انتقائي، متحيز لفكره، ضيق في نظرته لا ينظر إلا من زاوية واحدة غالباً. وإذا لم يعترفوا بهذه الحقيقة – ولن يعترف غالبهم - فهم يطعنون في قدراتهم الفكرية والمهنية.
إذاً ما يقدم في الإعلام ليس معبراً عن حاجات الجمهور وواقع حياته، وهذا معناه أن ما يبحث عنه المثقف - بشكل مستمر - لا يمكن الحصول عليه كاملاً من وسائل الإعلام، بل ربما كانت الحقيقة عكس ذلك تماماً.