القادة التاريخيون هم الذين يحدثون التحولات العميقة في شعوبهم وأممهم ، و بذلك يوجهون بوصلة التاريخ نحو اتجاهات جديدة تنتقل فيها المجتمعات التي يقودونها إلى مواقع أممية قيادية تحدث تأثيرات ليس في البيئة المحيطة بل في الفضاءات الكونية .
وقائد عظيم بحجم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أحدث تأثيرات عميقة في شعبه وأمته ؛ لابد أن يوصف بالقائد التاريخي ، فقد كان لقيادته الحكيمة وقراراته الحاسمة تأثيرات دقيقة في صيانة وسلامة استقرار المملكة ، بل المنطقة بأكملها ، فعندما واجهت المملكة العربية السعودية تحديات خطيرة تمثلت في تعديات المتسللين على حدودنا الجنوبية واجه الملك عبد الله الوضع بصلابة الرجال الأشداء وأعطى الإذن لقواته المسلحة بأن تثبت للعالم أجمع أن الجيش السعودي قادر على الذود عن حدود المملكة ، و وجهت القوات المسلحة ببسالتها رسالة قوية المعنى إلى كل من تسول له نفسه النيل من تراب الوطن ، واستعاد المواطن السعودي ببسالة جيشه الثقة الكاملة بالمستقبل ، بعد أن وجهت له الحملات الشرسة من القريبين والبعيدين النعوت الشائنة التي كانت بعيدة عن أخلاقه .
تعزيز الأمن على الحدود مع علاج المشكلات العربية أمّنا العمق الخارجي للمملكة ، فجاءت الإصلاحات الداخلية لتزيد من صلابة المشروع التنموي الوطني وتوفر له النجاح المأمول . كان الفساد أكبر تحد يواجه أي مشروع في أية دولة فحدد الملك توجهه لمواجهة الفساد والانتصارعلى علله و أعراضه ، وطبق ذلك في أول أزمة أنتجها الفساد ، وهي كارثة سيول جدة في شهر ذي الحجة من العام الماضي التي قضى فيها أكثر من 100 شخص ، و دمرت أملاكا وممتلكات بمليارات الريالات . وجه الملك بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق و كان أفضل أمين على هذه اللجنة ورئيس لها أمير أطهر بقعة على وجه الأرض .. صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل الذي عرف بنظافة كفه ودقة عمله ، وتكونت عضويتها من ممثلين للأجهزة الرقابية والعدلية والأمنية . أنجزت اللجنة عملها بعد سلسلة من الاجتماعات والتحقيقات والبحث الاستقصائي التي أجريت على مدار الساعة وخلال أيام الأسبوع كاملة . سلم الأمير تقرير اللجنة إلى الملك ، تحقيقا لمبدأ إبراء الذمة الذي أرساه خادم الحرمين الشريفين أمام الله والتاريخ والملأ من ذمتي لذمتكم ، وفي هاتين الكلمتين أراد الملك تذكير الناس جميعا - وليس اللجنة - بالأساس القيمي الأخلاقي الإسلامي ، وهو ذمة المرء المسلم وسلامتها في أمانة الكسب والعمل. الملك بصفته قائدا مصلحا بالتأكيد أنه رأى في التقرير ما أقلق فكره في خيانة الأمانة ومن علية القوم المؤتمنين على مصالح الدولة وشعبها ، لكنه لم تأخذه في الحق لومة لائم فقرر - حفظه الله - أن تأخذ الأمور مسارها القانوني النظامي وأن تذهب الشفافية إلى مداها البعيد و تظهر الحقيقة ناصعة وتطبق العدالة كي تستريح نفوس أهالي الضحايا ويشعر العاملون المخلصون الأنقياء بالإنصاف.
عندما يمنح قائد البلاد شعبه الاطمئنان والرفاه ، و يؤمن إقليمه الجغرافي بالاستقرار ، ويرسخ قيم العدالة والمساواة يمكننا حقا أن نطمئن بأن بلادنا تتجه إلى العالم الأول .