يمكن لوزارة التربية والتعليم أن تحدث فرقاً كبيراً ونوعياً في مشروع تنمية ثقافة القراءة، فرقاً يمكن أن ينقل المملكة إلى مراتب عالمية، وخصوصاً في مجال الاقتصاد المعرفي
عندما نلاحظ بناتنا أو أبناءنا وهم يعبثون بجهاز حاسب أو آي باد أو آي فون، فإنه ليس من المستغرب أن نجدهم إما يلعبون لعبة رقمية أو يتحادثون مع أصدقائهم أو... أو...، ولكننا لن نجد إلا قلة يقرأون كتاباً أو قصة، أو يبحثون عن معلومة، فلماذا؟ وماذا يحصل؟
إذا ما قارنا ثقافة القراءة بين الشعوب، نجد فروقاً شاسعة، فنجد الشعوب اليابانية والأميركية والكندية وبعض الدول الأوروبية مثل السويد وألمانيا وبريطانيا في مقدمة الركب، فبنات وأبناء هذه الشعوب يمارسون عادة القراءة منذ الصغر، سواء في البيت أو المدرسة، وهي عادة لم تؤثر فقط في تقدم الفرد بل في تقدم الدول، فما يجمع هذه الدول هو أنها دول متقدمة في جميع المجالات، في التعليم، في الصحة، في الخدمات العامة، في الحوارات الحضارية، في الإبداع العلمي، في الاختراع، كل هذا أدى إلى امتلاكها وتصديرها لحضارة وإبداع مادي غير مسبوق في التاريخ، حضارة يجب أن نعترف بوجودها ودورها في قيادة العالم في جميع المجالات.
وثقافة القراءة تعتمد على ثقافة المجتمع، الذي يعتمد في بناء ثقافته وعاداته وتقاليده على مجموعة من الأنظمة والتشريعات وليس فقط التعليم. وثقافة القراءة تبدأ داخل الأسرة، فالطفل مهما كان عمره، وحتى وهو في الثالثة من العمر يتأثر بعادات وسلوكيات الأب والأم وإخوته، يتدرب تلقائياً على القراءة إذا كانوا يقرأون، ويجهل إذا كانوا يجهلون، ويلعب إذا كانوا يلعبون، ليأتي التعليم الأولي الذي يبدأ من رياض الأطفال ثم التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي ليصقل هذه الممارسات إما سلباً أو إيجاباً، فماذا يحصل في المملكة؟
مع وسائل التقنية الحديثة مثل الآي باد والنت والتويتر والفيس بوك (IPad-Net-Twitter-Facebook) وغيرها، هل تغير شيء في ثقافة القراءة لدى المجتمع السعودي؟ عندما نقيم ثقافة القراءة عند أبنائنا نلاحظ أنها دون المؤمل، ولم تؤثر أدوات التقنية كثيراً فيها، فمازالت الشعوب العربية من أقل شعوب العالم نسبة في قراءة الكتب، وما زالت استخدامات النت في العالم العربي تتركز على المحادثات والألعاب وغيرها، وبدرجة أقل كثيراً في البحث عن المعلومات والثقافة، فكلنا يعلم ـ وبكل أسى ـ أن أطفال المملكة بين السنة إلى الثامنة عشرة من أعمارهم يميلون إلى قضاء جل أوقاتهم في اللعب وهم جالسون ـ مثل اللعب في النت أو الأي باد مثلاً ـ أو مشاهدة الأفلام والمباريات، وقلة قليلة منهم يخصصون وقتاً يومياً للقراءة، وهذه عادات وسلوكيات اكتسبها المجتمع على مدى عقود وعقود وليست وليدة اللحظة، ولا يمكن للنظام التعليمي وحده أن يحل المشكلة، فهي إلى جانب أنها تراكمية؛ فإنها شاملة من حيث الأطراف المؤثرة، التي من أهمها البيت والمدرسة والحي والجامعة والإعلام، فكيف نحل المشكلة؟ ومن المسؤول عن تنفيذها؟ وكيف يمكن لنا قياس التحول إلى مجتمع يعيش ويتنفس ثقافة القراءة؟
نحن لا ندعو إلى عدم ممارسة الرياضة الميدانية ـ وليس الرياضة الافتراضية ـ ولا ندعو إلى عدم اللعب وتصفح النت والتحادث مع الأصدقاء، ولكننا نقول ونحذر بأن إهمال ثقافة القراءة ضار ليس فقط على الفرد أو الأسرة ولكن أيضاً على المجتمع، وعلى الوطن ومستقبل الوطن، فحق الوطن علينا أن نعمل لرقيه وتقدمه، وتنمية ثقافة القراءة بين أفراد المجتمع صغيرهم قبل كبيرهم سوف تساعد في هذا الاتجاه.
يمكن أن نعمل الكثير، ولكن من خلال خطة عمل واضحة من حيث الأهداف والجدول الزمني ومؤشرات الأداء والتغطية الجغرافية والمحفزات، أي بإدارة مشروع شاملة وعملية، مشروع يمكن لوزارة التربية والتعليم أن تحدث فرقاً كبيراً ونوعياً فيه، فرقاً يمكن أن ينقل المملكة إلى مراتب عالمية، وخصوصاً في مجال الاقتصاد المعرفي، ويمكن للوزارة القيام بعدد من الخطوات التطويرية المهمة ومن أهمها:
1. إجراء تعديل جذري في المنهج التدريسي لجميع المراحل، بدءاً من مرحلة رياض الأطفال إلى مرحلة الثانوية العامة، بحيث يتم تخصيص حصص يومية (وليس أسبوعية) للقراءة الميدانية – في المكتبة – وكتابة ملخصات لعدد من الكتب أو القصص خلال الفصل الدراسي الواحد، مع تكليف مختصين ومختصات في الأدب للإشراف على هذه النشاطات ومتابعتها، كما يمكن أيضاً دمج الوسائل التقنية الحديثة في هذه الأنشطة، وذلك من خلال تكليف الطلاب بالبحث عن معلومات معينة في النت وكتابة تقارير عنها.
2. تخصيص مكتبات تقليدية ورقمية، ودمجها بوسائل اتصال وتقنيات حديثة في كل مدرسة وفي جميع المراحل، مع التأكيد على تحديثها وتخصيص مشرفين متخصصين عليها، وتقييم أداء المدارس بناء عليها، فحتى لو وجدت مكتبات وهي موجودة في بعض المدارس؛ إلا أن تفعيلها بالشكل المطلوب يحتاج إلى جهود أكثر.
3. تعديل نظام تقييم أداء الطلاب، بحيث تتم مطالبة كل طالب وطالبة بتقديم تقارير وملخصات دورية عن الكتب الثقافية المقررة عليهم إما اختيارية أو محددة سلفاً، على أن تكون هذه التقارير ملزمة وضرورية لتخطي المرحلة الدراسية، أي إنها ليست اختيارية أو نشاطا عاديا.
4. إلزام كل مدرسة بتطوير وتصميم وإخراج مجلة أسبوعية من عمل الطلاب والطالبات، وبإشراف من مشرفي ومشرفات حصة الأدب والمكتبة، مع التأكيد على أصالة المادة العلمية والثقافية في هذه المجلات، وأنها من عمل الطلاب والطالبات وليس شيئاً آخر.
5. تعاون وزارة التربية والتعليم مع وزارة الثقافة والإعلام وأيضاً الصحف الإعلامية والقنوات الفضائية المحلية، بحيث يتم بناء خطة عمل مقترحة للتوعية بثقافة القراءة، وتشجيع وتحفيز أطفال المملكة على ممارستها بشكل يومي.
هذه بعض الخطوات الإصلاحية للمجتمع التي ينبغي العمل بها إذا ما أردنا التقدم، ووطنا يستحق العمل والتضحية من أجله، فهل تستجيب وزارة التربية والتعليم؟