منى: حمد العشيوان

خلت منى من الحجيج، وبقيت أصداء أصوات تلبيتهم تتردد في المكان، كل شيء كان يتحرك هنا قبل يوم واحد اختفى، وحدها أوراق الأشجار تحركها نسمات الفجر، وبعض المطويات المتطايرة بين أروقة منى الموحشة التي تبدو مشتاقة لضيوف الرحمن منذ لحظة مغادرتهم لها أمس.
على مد البصر من مزدلفة إلى منى، يخالجك شعور إيماني يشغله السؤال: كيف استوعب المكان ملايين البشر في وقت واحد، وكيف أتموا حجتهم بأمان من دون حوادث تذكر؟
إنها إرادة الله ثـم جهـود رجـال أخلصـوا لربـهم ووطـنهم وحملـوا عـلى عاتقهـم مسؤولـية تأمين الحجيج حتى أتمـوا الفـريضـة، وغــادروا.
رجل ينام بسكون فجر أمس على رصيف أسمنتي في منى الخالية... إنه يوم سعيد للمفترشين، فقد وجدوا فرصتهم أخيرا للنوم، إذ لم يتمكنوا طوال الأيام الثلاثة الماضية من الراحة بسبب العابرين وأصوات المركبات.
تمر سيارة مسرعة بجواره فينتبه. هذه أيضا لم يكن لها قبل 24 ساعة أن تدخل هنا، أما هناك فصبية تجمعوا للعب كرة القدم.
اختفى هدير الـهليكوبتر التي كانت تجول في سماء المشاعر طوال الوقت، كما غابت أصوات أجهزة لا سلكي رجال الأمن، وهم ينقلون ويتلقون البلاغات والتعليمات لحماية السكان الراحلين لهذا المكان.
من أعلى جسر مزدلفة، اختفى مشهد الحشود البيضاء لتبرز في المشهد أكثر الأضواء الصفراء التي كانت معلما للحجاج أمس، يحددون بها المنطقة بين منى ومزدلفة.
رغم وحشة المكان، إلا أنه موعود بتجدد الرواية الإيمانية، العام المقبل إذا أراد الله.