نقرأ ونسمع ونشاهد الكثير من الحوادث المنزلية المميتة، كالحرائق وسقوط الأسقف والصعقات الكهربائية، والاختناقات بسبب تسرب الغاز، فضلاً عن ابتلاع بعض المواد الكيميائية من قبل الأطفال، وفي أغلب هذه الحالات يكون الضحايا من الأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة. لكننا لو بحثنا ودققنا في كل هذه الحوادث التي تنشرها وسائل الأعلام عن موت أطفال بالجملة لأسرة واحدة في هذا الحادث أو ذاك لوجدنا كلمة تتكرر فيها جميعاً؛ هي المفتاح لسر الموت المحيط بهؤلاء الأطفال وهي (الفقر).
مؤخراً مات أربعة أشقاء لعائلة فقيرة مختنقين بعد أن ناموا وهم مستلقون أمام التلفاز ويلعبون بـ(البلاي ستيشن)، بعد أن تسبب سوء التمديدات الكهربائية في اشتعال حريق قضى عليهم جميعاً. وقبلها موت الأم وأطفالها أيضاً في حريق مجهول الأسباب في بيت من الصفيح والخشب، وآخرون تسمموا لأنهم أكلوا وجبة من أحد المحسنين غير أنها فاسدة، فماتت الأم وازدادوا يتماً على فقرهم. كل هذه الحوادث وغيرها كثير مما سوف تسعفكم به الذاكرة أثناء القراءة سببها الفقر، وكأن الموت بدأ بملاحقة الفقراء لإراحتهم، بعد أن أرهقتهم تكاليف الحياة. ولا أعرف بماذا يشعر الأغنياء عند قراءتهم لمثل هذه الأخبار، هل يشعرون بالتميز مثلاً؟! إن المعونات التي تصرف للفقراء تذهب في الغالب للأساسيات التي تلزم الكائن الحي للبقاء على قيد الحياة في زمن الغلاء، كالأكل والشرب واللبس والعلاج، ودفع الفواتير التي تقضي على ما تبقى من نقود. ولأن الفقراء لا يستطيعون الحصول على تخفيض أو عرض خاص لفواتير الماء والكهرباء والهاتف التي تهز أكثر الجيوب منعة وقوة فإنهم يلجؤون إلى التوفير في جانب السكن، باستئجار البيوت المتواضعة التي تصل إلى درجة أنها قد لا تصلح للسكن البشري، لكنهم يحاولون التوفير على حساب أمنهم وسلامتهم هم وأطفالهم، فأي حياة سيعيشونها وهم يضعون أطفالهم كل ليلة بعد أن يناموا في أحضان الموت الذي لا يعرفون متى سينقض عليهم وبأي سبب؟ امنحوا الفقراء بيوتا آمنة ودعوهم يأكلوا الحشائش، وفروا للأطفال الفقراء سكناً جيدا لا يحتوي على قنابل موقوتة من أسلاك وتمديدات وأجهزة كهربائية مهترئة قد تقضي عليهم، ولا تحملوا همّ طعامهم وشرابهم، فعندما يضرهم الجوع ويمدون أيديهم للمارة طلباً لبضعة ريالات حتما سيجدون أحد المنظّرين ـ وهم كثر ـ ممن لن يمنحهم ريالاً بل سيشتري لهم كوباً من الذرة ورغيفاً. أتمنى ألا يحمل رمضاننا هذا العام في طياته أخباراً عن حوادث الموت التي تخص الفقراء، حتى لا يتألم الأغنياء. وكل رمضان والوطن وأهله بألف خير.