قد لا أعلم حجم أموال الزكاة المفروضة على رأسمال أثرياء هذا البلد، ولكن الذي أعرفه أن في طرف الحارة عائلة تتمنى ألا يشعر أطفالها بالغبن في الليلة الثالثة من رمضان.
قد لا أعلم حجم أموال الزكاة المفروضة على رأسمال أثرياء هذا البلد، ولكن الذي أعرفه أن في طرف الحارة عائلة تتمنى ألا يشعر أطفالها بالغبن في الليلة الثالثة من رمضان. أطفال يشاهدون دعاية ـ الفيمتو ـ على ناصية الشارع مثلما يحلمون بلحمة حمراء على صحن الأرز. قد لا أعلم حجم أموال أثرى خمسين فرداً في المجتمع السعودي ولكنني واثق من أن عشرة منهم على صدر المئة الأغنى في الكون، مثلما أنا واثق أن أربعين منهم على قائمة الأغنى بين خمسين عربيا. قد لا أعرف كم هو حجم المال العام والخاص في البلد ولكن الذي أعرفه جيداً أن الميزانية العامة بملياراتها لن تتبخر في السماء وإنما ستمطر بالملايين فوق رؤوس الذين فتحوا حساباتهم ليستفيدوا منها بالمقاولات أو الاستيراد أو التوريد، ومشكلة السماء هي مثل مشكلة السحاب والمطر: لا تسيل على كل الأودية ولا تهبط على الشعاب بعدالة متوازنة. قد لا أعرف مواصفات التاجر السعودي الجشع، ولكنني قرأت كثيراً كثيراً عن التاجر اليهودي الذي فاح استغلالاً وجشعاً فلم ألمس الفوارق الخمسة التي تحدث عنها شكسبير في تاجر البندقية. قد لا أعرف الفتوى في أحقية الزكاة وأولويتها بين مستحقيها ـ الثمانية ـ كما ورد في القرآن الكريم، ولكنني أعرف تماماً أن النصيب الأكبر منها يذهب في ـ سبيل الله ـ حتى لا ـ يغث ـ التاجر نفسه بمقابلة الفقراء والمساكين، مثلما أعرف أن النصيب الثاني يذهب للعاملين عليها، واسألوا دفاتر الجمعيات المختلفة وقد تحولت هذه الجمعيات إلى مؤسسات وظيفية. قد لا أعرف حجم خزائن البنوك من إيداعات الملايين من الناس بملايين الفلوس، ولكن الذي أعرفه جيداً أننا قادرون على ألا نترك فقيراً بيننا في نهاية رمضان. والذي أعرفه جيداً، أن التاجر هنا قد يتصدق على الفقير ثم يستعيدها منه في داخل السوق. واسمحوا لي، فالذي يقوله التاريخ الموثق أن العرب واليهود أبناء عمومة متناحرون متنافرون منذ أن كتبهما هذا التاريخ.. مختلفان في كل شيء إلا في طبائع السوق.