للثقافة أقصوصتها البهية واللذيذة على الدوام. ولطالما ظلت هكذا عصية إلا على الصادقين في عشقها.

للثقافة أقصوصتها البهية واللذيذة على الدوام. ولطالما ظلت هكذا عصية إلا على الصادقين في عشقها. في كل مرة أتذكر فيها فشل كل محاولات البعض ضرب حصار عليها، وحصرها في نطاق معين، أشعر بالخيبة أن يُنظر للثقافة وللهم الثقافي من أضيق الثقوب، وكأن الأرض قد ضاقت عليهم بما رحُبت. يا لبعض قومي!! بعد صدور لائحة نظام الانتخابات بالأندية الأدبية. توقع الجميع بأن ضربة موجعة وقاصمة قد وُجهت لــ(الشللية) التي ميزت أغلب إدارات الأندية الأدبية على مستوى الوطن، وأنها أي (اللائحة) ستكون ممحاة لكل الماضي الذي شكا منه أغلب المثقفين على امتداد الوطن أيضاً. لكن المفاجأة وقعت كالصاعقة على الرؤوس. حينما قامت وزارة الثقافة ذاتها بإيكال مهام تنفيذها إلى مجالس إدارات الأندية القائمة حالياً! وهي التي تذمر ويتذمر من تصرفاتها السابقة كثير من مثقفي الوطن لما يرون من فرضها وصاية غير مبررة على أجندات وخيارات وواقع بواطن الأندية الأدبية وحتى خارجها أيضاً. لقد استوقفني كثيراً الشرط الخاص اللازم توفره في المرشح المتقدم للحصول على عضوية الجمعية العمومية بالأندية الأدبية، والذي يقضي كما جاء في اللائحة، بضرورة تقديم المرشح لوثيقة مؤهل جامعي (أو) إصدار إبداعي، على أن يوكل العمل بأحدهما أو كليهما معاً لرأي اللجنة المشرفة على قبول طلبات المتقدمين المشكلة من مجلس إدارة النادي وما تراه في هذا الشأن. وباعتقادي فإن وزارة الثقافة قد اجتهدت كثيراً في وضع هذا البند مقسماً بــ(أو) لتلافي سيطرة تيار ما على عموميات الأندية، وكذلك عدم هضم حقوق المنتسبين للساحة الأدبية من جهة. لكنها لم تقنن لما يمكن استغلاله كثغرة واضحة في هذا البند تحديداً، في حال سيطر على اللجنة المعنية بقبول أو رفض طلبات المتقدمين (تيار فكري ما بعينه) من جهة، أو وقعت الجمعية العمومية في قبضة مجموعة منتمية لتيار فكري بعينه أيضاً. ذلك يعني أن النادي كمؤسسة سيفقد دوره التنويري (المتنوع) إلى حدٍ بعيد. وقد تجلى ذلك على أرض الواقع بالفعل في محاولة بعض المنتسبين لتلك اللجان، الالتفاف على هذه الــ(أو) التي وردت في البند. فذهب البعض لاستثمارها بطريقة أقل ما يقال عنها إنها غير لائقة وغير منتمية للأدب والثقافة. وهو ما أفرزته بعض الحالات التي تلخصت في محاولة استبعاد (وبقصد) بعض الأسماء المرتبطة بالشأن الأدبي والثقافي في الساحة السعودية. ويبرز كدليل على ذلك حالة (الشاعر علي الدميني) مع اللجنة المشكلة بنادي الشرقية الأدبي. في جيزان يبدو المشهد في ناديها الأدبي قريباً من (العك) واللامعقول ولتعذروني على هذا التشبيه، لكنه من واقع ما أعرفه يبدو كذلك. فتخيل أن يكون واقع حال الثقافة في جيزان محدداً برقم أقل ما يقال عنه إنه محبط ومحزن ومخجل! تخيلوا أن عدد المترشحين للجمعية العمومية لم يتخط حاجز الــ(100) إلى لحظة كتابة هذه الأسطر. وما علمته من مصدر موثوق أن الرقم تحديداً قد وصل إلى الــ(91) وبالكاد فعل!!. وحسب معرفتي أيضاً فهذا ليس واقع الحال الثقافي كهم حقيقي في جيزان. برأيي هذا العزوف العظيم لمثقفي جيزان عن أروقة هذه الانتخابات والنادي يقول إن جيزان ثقافياً بخير، وشكلياً هي في موقف صعب ومحرج. جيزان وهي الجسد الأعمق والأكثر إنجاباً للمثقفين على امتداد الوطن لم يتحقق فيها شرط القبول إلا على قلة شكلوا هذا الرقم الهزيل. أنا لا أتصور ذلك أيها السادة. صحيح أن وزارة الثقافة أرادت التركيز على النوعية لا الكمية، لكن الوقوف عند الأخذ بتطبيق البند بشقي ماجاء فيه دفعة واحدة (المؤهل والاصدار)، هو إجحاف بحق جيزان بأسرها وليس بحق مثقفيها فقط. وكمثال على ذلك الإجحاف حرمان (الأستاذة شقراء مدخلي) من أحقيتها كمثقفة في الانضمام للجمعية العمومية لنادي جيزان الأدبي. فمن إذن يحاول خنق الجسد الثقافي في جيزان، شروط الوزارة؟ أم رأي وقرارات اللجنة المشرفة على قبول طلبات المتقدمين للترشيح؟
التفسيرات للأنظمة واللوائح لا تحتاج لفتوى شيخ أو تنظير منظر. هناك دائماً القدرة على استيعاب ما يمكن استيعابه، وهذا ما أعتقد بأن علينا فهمه وهضمه أولاً. أسئلة كثيرة يمكن أن نتطرق إليها بعقلانية، في حال تخلصنا من مأزقنا مع ذواتنا وتوجهنا لمناطق أكثر بياضاً من سلسلة المراهقات التي أتعبتنا كثيراً ونحن لا نكاد نرى من الآخر إلا ظله.