معاناة المرأة عندما تنغلق أمامها كل المنافذ نحو حياة زوجية هانئة يجب أن تنتهي بيسر وسهولة أكثر من الرجل. المرأة لا تطلب الانفصال إلا في أضيق الحالات، فكيف يمكنها أن ترى ذلك ترفاً أو تمرداً وهي تعرف ما سيلي الطلاق من معاناة؟
من أغرب المسكوت عنه في مجتمعنا السعودي الكبير إجراءات الخلع رغم أهميتها. فبينما يستطيع الرجل أن يطلق زوجته في غضون دقائق لا يمكن للمرأة أن تكمل إجراءات الخلع إلا بعد سنوات رغم ظروفها وصعوبة تنقلاتها. عامل مهم في تمديد الزمن هنا هو تعدد المراحل الإجرائية، مرتبطاً ذلك بمماطلة الرجل وغيابه عن بعض الجلسات. هذا يعني أن المواعيد قد تصبح مطاطية إلى حد بعيد على حساب الطرف المستفيد بالطبع وهو المرأة. غريب أمر القضاء هنا ويبعث على الكثير من الحيرة والتأمل، لكن كالعادة لا يتحدث عن هذه الظاهرة أحدٌ كونها أصبحت من المسلمات، فنحن قد أنعم الله علينا بنعمة نادرة وعجيبة، تلكم هي الاعتياد والقبول حتى على السيئ، ثم مع الوقت والاستسلام يصبح عرفاً، حتى إن بعضنا يدافع عنه ويعتبره أفضل الموجود ويالله لك الحمد والله لا يغير علينا.
الحقيقة أن معاناة المرأة عندما تنغلق أمامها كل المنافذ نحو حياة زوجية هانئة يجب أن تنتهي بيسر وسهولة أكثر من الرجل. المرأة في الغالب الأعم لا تطلب الانفصال إلا في أضيق الحالات، فكيف يمكنها أن ترى ذلك ترفاً أو تمرداً وهي تعرف قبل غيرها ما سيلي الطلاق من معاناة ووحدة وتشرد، وربما فقر وجوع؟ من هنا فالواجب على قاضي النكاح والعقود أن ييسر الأمر عليها، تقديراً لظروفها ودرءاً لتشويه سمعتها في هذا المجتمع الذكوري الذي تطغى عليه قوة الرجل. وفي أسوأ الأحوال على القاضي أن يمنحها هذا الحق كما يمنحه للرجل بلا أدنى فرق. لكن هل يمكن حدوث ذلك في غياب نظام شامل للأفراد كالأحوال الشخصية مثلاً؟ أشك كثيراً.
سأورد هنا بعض الحالات التي تناولتها الكاتبة سهام الزنيدي في صحيفة عكاظ العدد رقم 2980 والمتعلقة بإجراءات الخلع، وسأختار اثنتين منها فقط لتأصيل الفكرة من وراء هذا الموضوع، الأولى تتعلق بسيدة تدعى نورة (27 عاما) التي رفعت قضية خلع على زوجها بعد أعوام بسبب إدمانه المخدرات وتعرضها للعنف الجسدي. تقول نورة إنها أمضت خمسة أعوام في انتظار ورقة الطلاق، رغم أن القاضي في ثالث جلسة طلب منها دفع المهر وقدره 30 ألف ريال، إلا أن الزوج لم يحضر بعدها وأصبح يتهرب من المثول أمام المحكمة. طبعاً عدم الحضور للمحكمة لا يحمل أي جرم مع الأسف، سواء في حالات الخلع أو في أي حالة أخرى تنظر لها المحاكم، وهذه قصة أخرى مزعجة قد نتناولها لاحقاً في موضوع منفصل. أما الحكاية الأخرى فهي تتعلق بالسيدة رنا (47 عاما). فقد تزوجت منذ عشرين عاماً وأنجبت خلالها خمسة أبناء وكانت حياتها مستقرة، ليأتي يوم تكتشف فيه خيانة زوجها مع الخادمة، حينها لم تتحمل هول الصدمة. طلبت الطلاق ولكن الزوج رفض كالعادة، فرفعت عليه قضية خلع استمرت ثلاثة أعوام. بعد هذه المدة حصلت على ورقة طلاقها بعد أن دفعت قيمة المهر الذي قدمه طليقها وقدره 40 ألف ريال. تتساءل رنا وأنا معها أتساءل وكلنا يتساءل: كيف يخطئ الرجل ويثبت ذلك في المحكمة ورغم ذلك تضطر الزوجة أن تعيد له المهر حتى تحصل على ورقة طلاقها؟ هل في هذا عدل يا إخوان؟ ثم من أين لبعض النساء بمبلغ كهذا؟
الثغرة الأخرى في هذا المشهد تتعلق بالحضانة، فمعظم القضاة يعتمدون حضانة المرأة للطفل الذكر حتى سن السابعة فقط، بعد ذلك بإمكان والده أن يستلمه منها إذا وافق هذا الطفل. هنا حق لنا أن نتساءل: ماهي قدرات هذا الطفل العقلية في هذا العمر التي تؤهله للإجابة عن سؤال كهذا؟ أما البنت فهي تذهب لوالدها تلقائياً عند بلوغها سن السابعة، ويستثنى من ذلك ما يراه القاضي.
أما ما يحدث بعد انتهاء الإجراءات المتعلقة بالخلع والحضانة فقد يتحول إلى كوابيس مزعجة. هنا أتناول موضوع النفقة التي قد يحكم بها القاضي. هذه النفقة على تفاهة قيمتها (تتراوح عند حدود الخمسمئة ريال شهرياً بصرف النظر عن ملاءة الرجل المالية)، أقول هذه النفقة أحياناً تتوقف. هكذا وبكل بساطة يتوقف الشهم والد الأطفال عن التزاماته، وتبدأ المعاناة الأخرى الأشد إيلاماً. كيف لهذه السيدة أن تستمر في حياتها خصوصاً إذا كان لديها أطفال؟ بل كيف يتمكن الرجل من الهروب من مسؤولية كهذه دون رادع؟ هل يفكر القاضي أو أي جهة حكومية مسؤولة في الأضرار المعنوية التي قد تأتي بسبب توقف الرجل عن إيداع النفقة؟ الذي يبدو لي أن تمرد الرجل يمر بدون عقاب، وإن كان لدى أي جهة اختصاص كلام غير هذا فأرجو الرد علينا في هذه الصحيفة.
هذا الموضوع أيها الكرام يمس صلب كرامة الأفراد في مملكتنا الغالية، وما لم يتم تدارك الوضع وتطوير الأنظمة وبأسرع وقت ممكن لتتناسب مع ظروف هذا الزمن وتعقيدات الحياة المصاحبة له فإننا حقيقة نقر بوقوع الظلم ونصمت عنه. سكوتنا على هذه المشاهد لا يرفع من قدر المواطن السعودي الذي كفلت له الشريعة الكرامة والعفة.
أناشد من هذا المنبر جميع المشرعين ومدوني الأنظمة في المملكة أن يشرعوا بمراجعة مثل هذه القوانين، وأن يتحلوا بقدر كبير من المرونة التي تمكنهم وبصفة مستمرة من تطويرها بعد مراجعة تطبيقها على الأرض. المرونة والقابلية للتطوير والتغيير هي ما يكفل استمرار أنظمتنا على أعلى المستويات، والعكس صحيح تماماً. أقول ذلك لأن الهدف من أي أنظمة في الحقيقة هو التيسير ورفع الظلم ومعاقبة المتمردين على النظام. إذا لم ننجح في وضع المملكة في مصاف الدول والشعوب فيما يتعلق في حقوق الأشخاص وخصوصاً النساء ـ وهن الحلقة الأضعف هنا ـ فستشمت بنا أجيال الغد، فضلاً عن انتقادات المجتمعات الأخرى التي لا تتوقف وتبحث عن أي ثغرة للنيل منا ومن مجتمعنا وأحكامه.
لا أظن بأن أي مسؤول يتعمد الإساءة إلى الوطن ومقدراته وأحكامه وحقوق أفراده، إذاً ما الذي يمنعنا من مواجهة هذه العقبات وإيجاد الحلول لها اليوم قبل الغد؟