يدمج الكاتب المسرحي الفلسطيني كامل الباشا في مسرحيته الأخيرة نص كيس رصاص التي يعيد فيها الحياة إلى مسرح خيال الظل بعد غياب ما يقارب 50 عاما عن القدس الماضي بالحاضر بأسلوب يجمع الجد بالهزل والسخرية حول ما وصلت إليه أحوال الناس.
الباشا قال بعد عرض افتتاح المسرحية مساء أول من أمس على خشبة المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) في القدس من المهم العودة إلى الماضي والتراث ولكن الأهم أن تربطه بالحاضر وتسلط الضوء على العديد من القضايا التي تواجه المجتمع.
وأضاف هذا ما عملناه في المسرحية نص كيس رصاص.. أعدنا الحياة إلى مسرح خيال الظل في جزء منه واستخدمنا فنون التمثيل والغناء أيضا.
تدور أحداث المسرحية حول إعادة افتتاح مقهي (حجي صالح) في القدس الذي لقي حتفه في معركة القسطل الشهيرة بين الفلسطينيين واليهود عام 1948 وشهدت مقتل القائد الفلسطيني المعروف عبد القادر الحسيني مستندة إلى أن هذا المقهى كان أحد تلك الأماكن التي كانت تستخدم مسرح خيال الظل في سرد الحكايات.
وتبدأ كاميليا (ريم تلحمي) التي تؤدي دور زوجه عبد القادر صاحب المقهى - والذي سماه والده بهذا الاسم تيمنا باسم القائد عبد القادر الحسيني- العرض منذ لحظة وصول الجمهور إلى الساحة الخارجية للمسرح بالترحيب بهم لتشريفهم لها بالاحتفال معها بإعادة افتتاح مقهى والد زوجها حجي صالح بعد سنوات طويلة من إقفاله.
وصممت قاعة العرض لتشبه تماما المقهى.. مجموعة من الموائد يجلس عليها قسم من الجمهور ونادل يقدم لهم القهوة ليعيش الجمهور الحكاية كما لو كانت في ذات المكان الذي يعود بهم إلى حكاية صاحب المقهى الذي مات كمدا بعد هزيمة عام 1948 وخصوصا خسارة معركة القسطل.
ويستمع الجمهور إلى عزف حي على العود من الفنان عامر الأشهب الذي يؤدي دور صالح حفيد صاحب المقهي وأغان بصوت ريم كما يشاهد عددا كبيرا من الجمهور للمرة الأولى في المسرح دمى خيال الظل التي صممها مخرج العمل المسرحي عبد السلام عبده الذي يؤدي أيضا دور نادل المقهى.
تطرح المسرحية العديد من القضايا تبدأ بالتعريف بشخصيات مسرح الظل كركوز وعواظ مرورا بمشاكل المواطنين اليومية بسبب الاحتلال وآثار الحرب والسلام على حياتهم وكذلك العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة الواحدة إضافة إلى تسليط الضوء على دور المرأة الفلسطينية من خلال الشخصية الرئيسة فيها (كاميليا).
وتروي المسرحية القصة الحقيقية لمعركة القسطل وما حدث فيها بعد الإشارة إليها في البداية على سبيل التهكم بأن الفلسطينيين انتصروا فيها من خلال استخدام دمى مسرح الظل التي تجسد القائد عبد القادر الحسيني ومجموعة من المقاتلين معه وأصوات إطلاق النار ثم الانتهاء بتشييع جثمان عبد القادر بعد مقتله في المعركة التي تشيرالمسرحية إلى أن أحد الأسباب الرئيسة لخسارتها قلة الذخيرة.
ويستحضر المؤلف الرسالة الشهيرة التي بعث بها عبد القادر الحسيني إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية في الرابع من إبريل نيسان في عام 1948 من خلال تسجيل مقاطع منها بصوت عبد القادر فيصل الحسيني حفيد القائد ومما جاء فيها إني أحملكم المسؤولية بعد أن تركتم جنودي في أوج انتصاراتهم بدون عون أو سلاح.
تقدم المسرحية مقاطع من الحوار الذي جرى بين الحسيني ورفاقة قبل بدء المعركة باستخدام دمى مسرح خيال الظل ومنها أنه طلب من الجامعة نص كيس رصاص.
وقال مخرج المسرحية عبدالسلام عبده بعد العرض في جلسة نقاش مع الجمهور إنه ذهب مع فريق المسرحية إلى المكان الذي شهد معركة القسطل غرب مدينة القدس وقاموا بأداء تجريبي للمسرحية هناك مما كان له دور كبير في الأداء.
وأضاف هذه المسرحية تأتي تحقيقا لحلم طالما حلمت بأن ينفذ على خشبة المسرح. والمعروف أن الدمى التي تستخدم في هذا النوع من المسرح مصنوعة من جلد الجاموس أو الجمل. وبسبب الانقطاع الطويل لهذا المسرح هنا في فلسطين واستمراره في أماكن أخرى ومنها تركيا استعنا بخبير تركي دربنا على عمل هذه الدمى التي استخدمناها في العرض والتي بالمناسبة ليست جميعها من الجلد.
ويجري تحريك دمي مسرح خيال الظل الذي عرف في أربعينيات القرن الماضي في فلسطين والتي يظهر خيالها خلف قطعة قماش بيضاء باستخدام عصي من الخشب لا تكون ظاهرة للجمهور.
واتسمت المسرحية في كثير من جوانبها بالجدية والتقمص إلى حد التطابق مع الشخصيات وخصوصا عند رواية أحداث معركة القسطل باعتراف الجمهور الذي قال عدد كبير منهم بعد نهاية العرض إنهم بقدر ما ضحكوا في كثير من المشاهد فإنهم بكوا في مشاهد أخرى.
وقالت الممثلة ريم بعد العرض فكرة الذهاب إلى مكان معركة القسطل أشعل فيّ النار وجعلني أصرخ وأخرج كل ما فيّ من غضب وأنت ترى بعض شواهد تلك المعركة العظيمة.. شجرة البلوط والخنادق لقد جعلنا ذلك نعيش المعركة بكل تفاصليها.
وذكر الأشهب عازف العود الذي يخوض تجربة التمثيل للمرة الأولى أنه حقق استفادة شخصية من المشاركة بهذا العمل وقال كنت أعزف في فرقة موسيقية في أعراس لليهود ولكنني أدركت أن الثقافة هي معركتنا الأخيرة معهم.
واستمع فريق العمل إلى ثناء كبير من الجمهور الذي جلس معهم بعد العرض لمناقشته مبدين إعجابهم بطريقة الإخراج وجعل الجمهور جزءا من العمل منذ لحظة وصوله إلى المسرح وكذلك مشاهدتهم لدمي مسرح خيال الظل للمرة الأولى على خشبة المسرح.
قال الأديب محمود شقير لرويترز بعد العرض الانطباع الأول لدي إيجابي حول هذا العمل الذي يستخدم فيه مسرح خيال الظل وفنون المسرح الأخرى.. التمثيل والغناء وتقديم رواية سياسية اجتماعية ضمن أساليب جديدة وإبراز الأوضاع في مدينة القدس المحتلة والمعاناة التي يعيشها السكان.
وأضاف ولكن لدي تحفظ على استخدام معركة القسطل للحديث عنها بسخرية في البداية من قبل كركوز وعواظ مع أنه يتم بعد ذلك رواية القصة الحقيقية لها لأنه حسب رأيي.. هناك قضايا في التراث يجب ألا تمس بطريقة ساخرة.
ويقول القائمون على العمل إن المسرحية التي عرضت على خشبة المسرح الوطني حتى مساء أمس ستعرض مرة أخرى في مواعيد لاحقة.