وسَّعت هيئات تطبيق القانون في الولايات المتحدة، وعلى رأسها الشرطة، مهام عملها لتمتد إلى مناطق جديدة تتعدى وظائفها التقليدية في منع واكتشاف الجريمة والتحقيق فيها. ويشمل التركيز الجديد لوكالات تطبيق القانون في الولايات المتحدة، حسب دراسة نشرتها مؤسسة رانـد الأميركية للأبحاث في أواخر أكتوبر الماضي، عمليات مكافحة الإرهاب والأمن الوطني.
وتبيِّن الدراسة، التي أُجريت لصالح وزارة العدل، أنه خلال السنوات التي تلت هجمات 11 سبتمبر الإرهابية كان التحدي الأول بالنسبة لوكالات تطبيق القانون الأميركية هو كيفية التوصل إلى توازن سليم بين المهام الجديدة التي تفرضها ظروف مكافحة الإرهاب وبين أولويات تطبيق القانون التقليدية. وتعتمد الدراسة، التي تُعنى بتطوير جودة أداء الشرطة، بشكل أساسي على دراسة حالات بشكل متعمق في خمس مناطق كبيرة: قسم شرطة بوسطن، وقسم شرطة هوستن، وقسم شرطة ميتروبوليتان بلاس فيجاس، وقسم شريف مقاطعة لوس أنجلوس، وقسم شرطة ميامي– ديد. وقد تم اختيار هذه المناطق لأنها مراكز مدن رئيسية يُعتبر التهديد الإرهابي فيها عاليا، كما أنها تمتلك خبرات متنوعة ومختلفة في مجال مكافحة الإرهاب والأمن الوطني.
وقد أكدت لويس دافيس، الباحثة في مؤسسة راند وإحدى المشاركات في الدراسة، أن أحداث 11 سبتمبر غيَّرت كيفية أداء وكالات تطبيق القانون المحلية وعلى مستوى الولاية لعملها، خاصة الأقسام التي تقع في أو قرب مناطق المدن،أو في المناطق التي يُعتبر التهديد الإرهابي فيها عاليا. ولاحظت وكالات تطبيق القانون أن هناك حاجة للحفاظ على سلامة الأشخاص الذين يقعون ضمن مناطقها من خلال تطوير قدرات مكافحة الإرهاب والأمن الوطني، بما في ذلك الوحدات والمكاتب المتخصصة، وتنمية الخبرات الضرورية. وتضيف دافيس أن أحد التغييرات المهمة هو تبني نموذج مراكز الانصهار، والذي يعتمد على إيجاد مراكز متعددة المهام تتبع سياسة جمع ومشاركة وتحليل المعلومات لجميع الجرائم وجميع المخاطر. وقالت دافيس إن التحدي يكمُن في كون وكالات تطبيق القانون الكبيرة تساهم بشكل غير متوازن في شبكات مشاركة المعلومات هذه من خلال لعب دور التنسيق والتحليل والإدارة. وبسبب هذا الدور المركزي، ربما يتوجب على وزارة الأمن الوطني أن تدرس تقديم الدعم الإضافي – خاصة في عدد الأفراد - الذي تحتاجه هذه الوكالات للاستمرار في تشغيل مراكز الانصهار.
الدراسة تحدد عدة توجهات تكمُن وراء التحول نحو مقاربة تعدد المهام وصهرها في مركز واحد، خاصة فيما يتعلق بجمع ومشاركة وتحليل المعلومات لجميع جرائم المخاطر، بما في ذلك:
- مراكز الانصهار التي تستخدم تقنية معلومات لتنظيم ومشاركة المعلومات، مما يسمح لأكثر من وكالة بالتنسيق ويقلل التزامات الموارد المطلوبة.
- التركيز على مكافحة الإرهاب والأمن الوطني شجَّع على استخدام التقنية التي توفر وسيلة تعريف الرابط بين الأنواع المختلفة للنشاطات الإجرامية والنشاط الإرهابي المحتمل.
- التمويل الفيدرالي شجَّع على تبني مقاربة إقليمية تشمل عدة مناطق لتحسين التنسيق بين وكالات تطبيق القانون.
ويتمثل التحدي الذي تواجهه وكالات تطبيق القانون حالياً في كيفية إدارة التوسُّع في شبكات مشاركة المعلومات، وضمان مشاركة جميع أصحاب المصلحة، وضمان توفر المرونة في برامج تمويل الأمن الوطني لتغطية التنوع في الاحتياجات والقدرات المحلية.
يقول الباحثون الذين ساهموا في إعداد الدراسة إنه مع تحول وكالات تطبيق القانون إلى جهات أكثر تخصصية، هناك أيضاً حاجة لتطوير مسار مهني لأولئك الذين يمتلكون خبرات في مكافحة الإرهاب والأمن الوطني. وتختلف المهارات الخاصة المطلوبة في هذه الحالة عن التطور المهني التقليدي لعناصر تطبيق القانون من رجال الشرطة وغيرهم، الذين عليهم عادة أن يغيروا مواقعهم بين الحين والآخر، لكي يتمكنوا من الارتقاء في مراتبهم الوظيفية. وسيؤدي استخدام الطريقة التقليدية إلى فقدان الوكالات لاستثماراتها في الخبرات وشبكات الاتصال ومصادر المعلومات المهمة لهذه المواقع.
وأحد الحلول الممكنة هو توظيف خبراء مدنيين يقومون بأداء مهمة تحليل المعلومات الاستخباراتية، على أن يعملوا تحت إشراف ضباط نظاميين يُمكن تغييرهم بشكل دوري. هناك خيار آخر أيضاً وهو إعادة النظر في أنظمة ومهام وكالات مكافحة الإرهاب والأمن الوطني بحيث يسمح للعناصر الذين يعملون فيها بالبقاء فترات أطول أو بشكل غير محدود، الأمر الذي يسمح للضباط الرسميين بالبقاء في هذه الوحدات الخاصة لفترات طويلة الأمد.