للحوار قيمته الضرورية في تسيير علاقاتنا الشخصية والعملية والاجتماعية. من أجل بناء واقع ناجح وسليم لا بد من الحوار. المشكلة التي تعاصرنا الآن في التجريح، وظهور قوائم العار، وانتشار التخوين وتفشي مصطلحات جديدة، ثوري و ضد الثورة، أو حكومي و غير حكومي، كلها مصطلحات من السهل أن يطلقها أي أحد ضد أي أحد، لكن السؤال: ما القيمة التي نكسبها من مثل هذا التصنيف؟! وهل يمكن أن يعكس إيجابيةً واحدةً على المجتمع؟ من الواضح أن هذا التصنيف والتحسين والتقبيح، والشتم والتجريح يعبر عن مواقف شخصية بحتة، ولا علاقة له بالاختلاف في الآراء. وهو تعبير عن عقلية تنزح نحو الفرز الذي يمارس باستسهال، المنتج للإقصائية البغيضة!
واقعنا اليوم يكاد يشي بأن لا مفر من التصنيف، فإن كتبتَ عن الأسعار والغلاء قالوا هذا انتهازي يريد أن يكسب شعبية، وإن كتبتَ عن السعودية وأنها من أرخص الدول الخليجية معيشةً ـ مثلاً ـ قالوا هذا حكومي! إن كتبتَ عن سوء مطارٍ ما، قالوا هذا يريد أن يزايد على الحكومة في قضاياه الخاصة، وإن كتبتَ تمتدح مشروعاً افتتح، قالوا هذا حكومي يريد أن يلمع السلطة. ومن المثير للضحك المشابه للبكاء أن تسمع إزاء قضية واحدة تعاطيت معها تصنيفين اثنين تجاهك، أحدهما في أقصى اليمين والآخر في أقصى اليسار! إن حاور الصحافي أديباً حداثياً، قالوا هذا يلمّع الحداثيين، وإن استضفت إسلامياً، قالوا هذا يتملق الإسلاميين، إن تحدثتَ عن فتوى ناقداً، قالوا هذا لييرالي، وإن امتدحت فتوىً مستنيرةً لشيخ، قالوا هذا إسلامي مختبئ، أو إسلامي من دون لحية!
وتستمر حالة التنافي، والتنابز، والتصنيف، ولعل من رأى أن في التصنيف شكلاً من أشكال الانطلاق من صفاءٍ ذاتي لم يخطئ، حين يصنّف الإنسان غيره بتصنيفٍ من التصنيفات، أو يضعه في خانة تيارٍ من التيارات، فإنه يدعي أنه مصطفى، وأنه الذي يمتلك الحق من دون الناس، وأن بقية البشر يمرون من خلال جهاز فحصه، هل هم على صوابٍ أم على خطأ، يفنون أعمارهم في تصنيف الآخرين من دون أن يجروا معهم أي حوارٍ أو حديث.
قال أبو عبدالله ـ غفر الله له ـ والذي يستبدل الحوار بالتصنيف قد لا يحمل رأياً قوياً، وإلا لماذا يستحي الإنسان من رأيه؟ مادام يملك براهينه فلا أقل من البوح به وطرحه للحديث والنقاش. الحوار أيها السادة هو الملجأ الأول والأخير لنا جميعاً، أبناء وطنٍ واحد، وننتمي إلى دينٍ واحد، أما التصنيف فهو يقوض كل المشاريع الفكرية، والنهضة والتنمية والإصلاح في البلد.